عندما يتوقف أبوعصام (السعودي) عند الإشارة الحمراء، فإنه يخطف ببصره يساراً ليتأكد ما إذا كان العقيد مصطحباً زوجته أم لا؟ فإذا لم يجده فإن أبا عصام سيأخذ راحته بالتلفت يميناً ويسارا، وإلا...فإن أباعصام سيحصر بصره على الجانب الأيمن ولن يقوم بأية التفافة يسارية خوفاً على خصوصية العقيد. بين أبي عصام والعقيد عقد غير مكتوب، يلتزم به الطرفان بمئات من الالتزامات التي تؤطر العلاقة بينهما، هذا النوع من العقود هو ما يطلق عليه عادات وتقاليد أو أعراف، ولكون العقد غير مكتوب ولكونه قد تناقلته الأجيال عبر مئات السنين بشكل تلقائي فإنه عصي على التغيير والتبديل، هذا شأننا وشأن البشر جميعاً. يقف مهند بجانب زوجته وأمامهما البائع الذي يقوم بتقليب الملابس الداخلية مع بعض الشروحات على النوعيات والمقاسات والخامات، يساعد البائع أم عصام في انتقاء ما يناسبها من ... و... نزولاً إلى ...، وكل هذا (يا حرام) أمام نظر «أبو الشوارب»! الخصوصية هي إحدى أهم المواضيع التي تشكل طبيعة العلاقات بين أفراد المجتمع، ولأننا في زمن الاقتصاد المعرفي، اكتسبت الخصوصية خلال الأعوام القليلة الماضية أهمية كبرى لم نكن (شخصياً على الأقل) نتصور أن تحظى بهذا الاهتمام. ولكن اليوتيوب والفيس بوك والتويتر وضعوا الإنسان أمام تحديات جديدة اضطرته للبحث والدراسة بغرض الضبط والتقنين. ولسنا بدعاً عن الحضارات الأخرى في موضوع الخصوصية، فهذا أوباما رئيس أكثر الدول تقدماً وتمدناً يحذر البنات الأمريكيات من عرض صورهن على الفيسبوك خوفاً عليهن من التعرض للتحرش والابتزاز، فما بالك بمجتمعاتنا التي ترى أن حدود الحرية أضيق بكثير مما عليه في أمريكا. إذاً أبوعصام والعقيد ليسا فريدين عندما يتمسكان بضوابط الخصوصية المتعارف عليها في مجتمعهما، بل إنه من المعيب والمشين أن يقبل (الأبظاي) أن يتعدى أحدٌ على خصوصيته، ولا نجد أن الأمر سيتغير بين يومٍ وليلة، لتغيير الأعراف نحتاج إلى صدمات وانعطافات ثقافية عنيفة بالإضافة إلى زمن طويل يمتد لعشرات السنين،... إلا إذا؟ إلا إذا طلبت أم عصام الذهاب لشراء ملابس داخلية أو أدوات المكياج، ففي لحظات يتحول أبوعصام الأبظاي بقدرة قادر إلى مهند (والعياذ بالله). يقف مهند بجانب زوجته وأمامهما البائع الذي يقوم بتقليب الملابس الداخلية مع بعض الشروحات على النوعيات والمقاسات والخامات، يساعد البائع أم عصام في انتقاء ما يناسبها من ... و... نزولاً إلى ...، وكل هذا (يا حرام) أمام نظر «أبو الشوارب» ! خبير تقنية ومستشار في اتحاد الغرف التجارية