الجاهز هو ما يحصل عليه الإنسان من دون جهد، ونحن قد أخذنا نصف الحداثة وهو جانبها المادي من دون جهد، ولم يكن هذا شيئا طارئا علينا.. بل هو سلوكنا الواقعي والفكري على امتداد الزمن. فطرق التفكير جاهزة، وتعليل الظواهر الطبيعية والاجتماعية جاهز، وجواب الاسئلة جميع الاسئلة جاهز، والتاريخ الذي صبغناه باللون الابيض جاهز.. وحتى المستقبل هو الآخر جاهز. يعني هذا كله أننا لا نبذل جهدا للحصول على أي شيء.. فهل نحن في عالم طفولي أم نحن عاجزون.. أم أننا قد رزقنا ما لم يرزقه البشر جميعا؟. إننا لا نبذل جهدا للحصول على أي شيء.. فهل نحن في عالم طفولي أم نحن عاجزون (متى تترادف الحروف والينابيع؟). هكذا سأل أحد مفكرينا بأنين يتطاير شررا، ذلك لأن اللغة عندنا اصبحت جاهزة، لغة بلا ماء وبلا عنان أي بلا واقع فأصبحت هياما رومانسيا اصبحت: (يا ليلي يا ليلي يا عيني يا ليل) هيام فوق هيام.. بماذا؟ بالليل. الليل المسكين كان دائما دمية الشعراء والعشاق، كان مصبا للانين والشكوى مثلما هو باعث على الفرح واللقيا.. فكان جامعا للمتناقضات.. جامعا لمن يتوجع منه ومن يفرح به.. ولم نجد الليل نفسه يشكو لأحد الا عند الشاعر المجدد علي الدميني.. الدميني وحده هو الذي جلس الليل بقربه شاكيا: «سجا الليل في حزنه، ثم قال: وحيد انا ابد الدهر لم تك لي لغة تتجرأ يوما على رسم قبلة ولا ضحكة تتراقص في خد طفلة وحيدا بلا امرأة تستبيني بأوصافها فأحن عليها بلا امرأة تتشظى لشوقي اليها بلا فرح في الولادة أو جزع في الممات مللت الوقوف على طلل الامكنة مللت احتفاظي بأسراركم وسلالات اسلافكم والغبار.. الخ» هنا نجد ليلا آخر.. ليلا يشكو الغربة الموحشة انه وحده لا يسمع كل انين الشعراء والعشاق ولا يرى هيامهم به.. انهم يتراكضون في اللجوء اليه يسألونه يعفرون جباههم بأذياله ولكنه لا يشعر بهم وكأنه قد سمع ابا حيان يصرخ: (الغريب من هو في غربته غريب).