لم يكن النقد في مفهومه الشمولي أداة للتشفي أو الانتقاص أو تصيد الأخطاء بغرض الهدم أو تقويض أركان البناء.. النقد في حقيقته يعني التمييز بين ما هو إيجابي لتدعيمه أو سلبي لمعالجته، وكشف الأخطاء ومكامن القصور في أي عمل ما هو الا رسالة نبيلة يحملها الناقد المتسلح بأدوات النقد وفنونه علما وصدقا ومواطنة.. في وسطنا الرياضي تشوهت كل تلك المفاهيم النبيلة للنقد، ليس فقط بسبب أميّة الطرح المتفشية في اعلامنا الرياضي المفلوت والمشرع على مصراعيه؛ ولكن ايضا لبرودة وبلادة المسؤول الرياضي في التعاطي مع النقد والتفاعل معه.. فلا الاعلام الرياضي كسب الثقة في نبل المقاصد وسمو الاهداف ولا المسؤول الرياضي بالقدر من الذكاء والفطنة ما يكفي للتمييز والتمحيص والتفاعل مع المشارب المختلفة للطرح والنقد والمكاشفة بما يساعد على ردم ثغرات القصور ومعالجة الخلل.. رياضتنا السعودية الآن تعاني الوجع وتسير نحو المجهول بعد ان اصبحت ضحية (جهل) ثنائي الاقطاب.. قطب اعلامي يرسم المشهد الكروي برؤية ملونة وملوثة وغائرة في التعصب، وقطب اداري مسؤول يعمل بردة فعل لا مسئولة تتفاعل مع الطرح بنفس الادوات (التدميرية) لونا وتحزبا وعنادا.. وما بين القطبين توارت كل ابجديات اللغة الصادقة البناءة، واختفت كل اعمال الحكمة والحنكة والحس الاصلاحي الوطني.. لهذا فلا عجب إن تواصلت مراحل السقوط لرياضة الكرة السعودية في مشهد درامي مزعج لا يليق بوطن كان في يوم ما سيدا كروي لأكبر قارات الارض.. جميل جدا ان يخرج الرجل الأول في الرياضة السعودية ليقول إن التعصب الرياضي هو المسؤول عن الطرح الاعلامي الهابط وغير المنضبط.. ولكن كان الاجمل لو أن سموه وبحكم موقعه القيادي والسلطوي قد أوجد أو ساهم في ايجاد حلول جذرية كفيلة بوقف هذا العبث الاعلامي المزعج.. وتهديد سموه بمقاضات كل من تطاول أو تجاوز على رعاية الشباب هو اجراء ناقص حيث إن كل منتم للرياضة السعودية يقع تحت مسؤولية سموه، ويجب أن يحظى كغيره بنفس الحماية والحصانه من أي تجاوز أو تطاول أو انفلات.. كما أن تدخل الأمير نواف المباشر في أزمة ديون نادي الاتحاد والسعي الحثيث في ايجاد حلول لها هو إجراء يتصف بالمسؤولية، ولكن كنا نأمل لو أن هذا التدخل كان في أعمال اتحاد كرة القدم المسؤول الأول والمباشر عن أزمات كل الأندية وديونها.. اذ لا يمكن أن نتصور كيف أن اتحاد كرة منتخب لا تحكم العلاقة بين اعضائه أي هيكلة واضحة وجلية يمكن أن نفهم من خلالها المسئوليات والصلاحيات، دون تقاطع أو تداخل أو تناقض كما هو الحال المأساوي الماثل على مسرح الفوضى والعشوائية.. وكيف يمكن لمثل هذا الاتحاد المبهم إداريا وماليا أن يساهم في حل مشاكل الاندية المالية وتراكم ديونها، وهو حتى لا يعرف ميزانيته ولا مصادر دخله بل انه لا يملك لائحة تحدد مصروفاته أو المساعدة في رسم موازنته.. جرح الكرة السعودية مؤلم.. وإذا كان التنظير جسدا فإن التطبيق هو الروح وكرتنا السعودية الآن لا جسد ولا روح!!