جلّ صادراتنا النفطية تذهب شرقاً، وحصة الشرق تنمو باطراد. ليس في ذلك مفاجأة، فالشرق هو الأكثر نمواً، ونموه الاقتصادي يتطلب المزيد من الطاقة، ونحن نمدهم بما يحتاجون. لم تبق المملكة علاقتها مع الاقتصادات الأسيوية الكبيرة في إطار تجارة النفط، بل توجهت توجهاً يقوم على تعميق الصلات وتكامل المصالح أكثر من مجرد تبادلها فقط، والفارق بين الأمرين كالفرق بين الاستثمار طويل المدى والرغبة في عقد صفقات. وقد تجلى هذا التوجه في أجندة زيارات سمو ولي العهد لهذه البلدان، فالهند ليست شريكاً استثمارياً وتجارياً فقط، بل هي من يمدنا بمئات الآلاف (2.88 مليون تحديداً) من الأيدي العاملة لتغذي اقتصادنا في طول قطاعاته وعرضها، حتى غدا من المستبعد أن تخلو هجرة أو قرية مهما كانت نائية من وجود أحد رعايا الهند فيها. لكن الهند مخزن الفرص ومستودعها، وهي راغبة لتعزيز التعاون الاقتصادي والعملي مع المملكة، وهذا تأكد مما طرح أثناء الزيارة، وانتفاض القطاع الخاص الهندي على أعلى مستوى لعرض ما لديهم. وفي هذا السياق، فإن العديد من الشركات الهندية الضخمة قد سعت للحصول على تراخيص من الهيئة العامة للاستثمار، والعديد منها نشط بالفعل في قطاعات الصناعة على تنوعها، كما أخذت تتضح جهود تلك الشركات في قطاع المقاولات وتنفيذ المشاريع. زيارة الأمير سلمان سعت لعقد شراكات استراتيجية مع تساهم في تنويع اقتصادنا الوطني باستقطاب التقنية والاستثمارات والأسواق أما الصين، فعلى الرغم من تحوطها إجمالاً وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بتأمين متطلباتها من الطاقة، إلا أنها تعول كثيراً على علاقاتها مع المملكة، إذ تكفي الاشارة هنا أن ثلث واردات الصين من النفط سعودي. والأمر مع الصين يتجاوز النفط، فقد غدت «مصنع» العالم نتيجة لتدني تكلفة الإنتاج هناك، واتقانها المتدرج للتقنيات العالية، واحتضانها للصناعات المتخصصة على تنوعها. وهذا ليس خبرا جديدا، فقد أقرّت بذلك العديد من الدول المتقدمة اقتصادياً، وكانت الكفاءة العالية للمصانع الصينية سبباً مباشرة في إغلاق مصنعين في أوروبا وأمريكا الشمالية لمصانعهم. ورغم الدخول المتأخر نسبياً للمستثمرين السعوديين، إلا أن تحرك العديد للمؤسسات الاقتصادية الرئيسية كان مؤاتياً، وخصوصاً جهود أرامكو وسابك، ولعل في اهتمام سابك بالصين كاقتصاد وليس كمجرد سوق لتصريف البتروكيماويات له أثر كبير توج بإعلان مركز للبحوث هناك. ولابد من بيان أن جهود المملكة لتنويع اقتصادها تمرّ عبر قنوات الدبلوماسية العالية، فاقتصاد بحجم اقتصادنا لن تتحقق الجهود لتنويعه بإقامة مصنع هنا ومجمع تجاري هناك، بل بمبادرات استراتيجية مشتركة مع اقتصادات حجزت موقعاً متقدماً لها لتشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي. وهكذا، نجد أن الملف الاقتصادي كان حاضراً في زيارة سمو ولي العهد، فتميزت بكثافة توقيع الاتفاقيات والمذكرات ذات الطابع الاقتصادي، منها على سبيل المثال لا الحصر: اتفاقية مع وزارة التجارة والصناعة، وأخرى مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وثالثة مع الهيئة العامة للاستثمار. وإقبال اقتصادات، ذات تأثير ووقع عالمي مثل الهندوالصين، لبناء شراكات استراتيجية مع المملكة أمر يستحق منا البناء عليه، إذ أن تنويع ونمو اقتصادنا الوطني لن يتحقق إلا بمساندة من شركاء أقوياء تتلازم مصالحنا معهم في المدى الطويل. تويتر @ihsanbuhulaiga