في مشهد نادر، -غاب تماما مع تلاشي مظاهر «الربيع العربي» من الأردن- أعادت القوى الوطنية والشعبية والحزبية والنقابية رسم المشهد في المملكة الأردنية، ولكن هذه المرة انتصارا لدم القاضي الشهيد رائد زعيتر، لتطوق السفارة الإسرائيلية في أعلى روابي العاصمة عمان. بضع مئات من الأردنيين استبدلوا الجامع الحسيني الكبير وسط البلدة القديمة بعمان، ورحلوا إلى مسجد الكالوتي، الذي بات الأكثر شهرة في منطقة الرابية، إحدى الضواحي الثرية السكان، حيث أدوا صلاتي الجمعة والغائب متعجلين، في ذكر سفارة «العدو الصهيوني»، الجاثمة على مقربة منهم. «الكالوتي»، الجامع الصغير، لم يتسع لحشود المحتجين، الذين انتخبوا لهم من أكنافه مصلى، لحين انتهاء الجمعة، والبدء في تظاهرة احتجاجا على جريمة الاحتلال الإسرائيلي، التي أفضت إلى استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر، على الجانب الإسرائيلي من «حدود الكرامة». التظاهرة فور انتهاء الصلاة تحركت نحو السفارة، التي تبعد عنها مئات الامتار، وتفصل المتظاهرين عنها جدران بشرية أمنية، بذلت قوات الامن والدرك الأردنية ساعات الليل في توزيعها، خشية وصول المحتجين إليها. مصدر أمني أبلغ «اليوم» أن «إدارة الدرك أعادت انتشار 400 دركي في محيط السفارة الإسرائيلية، إضافة إلى عشرات ناقلات الجند المدرعة، ورجال الامن العام ومركباتهم». وقال المصدر الذي رفض الإفصاح عن اسمه: «إن تعليمات مشددة، من مرجعيات سياسية، صدرت إلى الجنود لمنع تسلل أي من المتظاهرين، وضمن قواعد فض التظاهر المعتادة في حالات كهذه». ولفت المصدر الى أن «تعليمات مسبقة باستخدام الغاز المدمع ضد المتظاهرين، حال فقدان المنظمين السيطرة على الحشود، تلقاها الدرك، وهي غير قابلة للتبدل». ميدانيا، لم يصل المتظاهرون إلى حدود السفارة الإسرائيلية، بيد أن هتافهم تجاوزها وبلغ تل أبيب: «اسمع.. اسمع.. يا سفير.. بره الأردن يا خنزير»، «يا شعبي ضلك نادي.. واحنا نكيد الأعادي»، و«اللي يحمي إسرائيل.. خاين وأكبر عميل»، وغيرها العشرات من الهتافات الحماسية. دعا المتظاهرون ردا على جريمة قتل القاضي زعيتر، إلى «الافراج الفوري عن السجين الأردني الجندي احمد الدقامسة»، الذي يقضي حكما بالمؤبد، لقتله طالبات اسرائيليات، على الحدود الأردنية - الإسرائيلية قبل نحو 20 عاما، كن قد هزئن منه لدى أدائه صلاة الظهر. واعتبر المتظاهرون طرد السفير الإسرائيلي من العاصمة عمان أولوية، على السلطات الحكومية الرد بها مبدئيا، وهو القرار الذي تهربت منه حكومة د.عبدالله النسور خلال اجتماعها في البرلمان الأردني لمناقشة القرارات الواجب اتخاذها ردا على تل ابيب. وقال رئيس لجنة فلسطين بمجلس النواب النائب يحيى السعود، ل«اليوم»، إن «ابسط قرار يجب أن يتخذ هو طرد السفير الإسرائيلي من العاصمة عمان، وسحب نظيره الأردني من تل ابيب». وبين السعود أن «الحكومة تحاول المماطلة في اتخاذ قرار بهذا الشأن، إلا أن مجلس النواب امهلها إلى الثلاثاء، فإما التجاوب مع مطالب النواب أو سحب الثقة منها». واعتبر السعود الافراج عن الجندي الدقامسة صفعة قوية في وجه إسرائيل، التي قتلت بدم بارد القاضي الأردني، واكتفت بتوجيه الاعتذار إلى الشعب الأردني. ويتوقع أن تشهد جريمة قتل القاضي الأردني زعيتر، ذي الأصول الفلسطينية، مزيدا من التطورات أردنيا هذا الأسبوع، إذ ينتظر عقد جلسة للبرلمان لمناقشة القرارات الحكومية للرد على الجريمة، خاصة في ظل حالة الاحتقان العامة.