أول ما أثار انتباهي عندما دخلت الأراضي الهولندية كان العز الذي يتربى فيه السادة الكلاب المحترمون ،على القارئ أن لا يبخس هذه الفئة صفة السيادة، أو يلومني على ذلك، أتذكر مرة سألتني المدرسة في القسم أن أحكي شيئا مهما استرعى انتباهي في هولندا فأجبتها (حقوق الكلاب في هولندا أفضل بكثير من حقوق الإنسان في العالم الثالث) سرت المدرسة بهذا التعليق، في الوقت الذي كنت أسخر فيه أنا من هذا الزمن الذي يكرم الكلاب ويهين الإنسان تحت مبررات واهية، وأعتقد أنه من الضروري على كل عربي أو قادم من العالم الفقير، أن يتلقن الوصية الاولى التي تلقيتها عندما بدأت أندمج في هذا البلد قال أقربائي (إياك ثم إياك أن تضرب كلبا في الشارع ان أقبل نحوك يجري أو تسبه أو تحاول حتى الفرار منه) فهذا يؤدي بك الى الوقوف أمام القاضي، وفي حالة نفورك منه ستسيء الى أصحابه وتثير فيهم نعرة العنصرية وهكذا لم يحذروني من المخالفات القانونية أو ما هو حق لي وما هو علي بل بدأوا لي من هذه الفئة السعيدة التي توافرت لها كل شروط الحياة الكريمة. يقول خبير علم الأديان السيد أحمد حسين في كتابه (الإسلام والايمان) مبتدئا بتفسير الديانات القديمة وصولا الى الإسلام: (ان سبب الاهتمام الشديد والرعاية والحب التي تحظى بها الكلاب في هولندا يعود الى قرون خلت عندما عبد أجدادهم هذه الشريحة الحيوانية وظل حب الكلاب في نفوسهم عالقا من معتقد اجدادهم ذلك) هذا رأي العالم المصري و مع احترامي له فانني أختلف معه، فأنا أرى أنه عندما فاضت حقوق الانسان على هذا الاخير استفادت منها الحيوانات خصوصا الكلاب، لكن الهولنديين يرون الكلب خير أنيس والوحيد الذي يغار ويدافع على صاحبه والوحيد الذي لا يخون أو يغدر) ولهم الحق في ذلك فأبناء الهولنديين يغادرون بيوت والديهم في سن الثامنة عشرة، وقد يرونهم بعد ذلك وربما لا إلى حين وفاتهم. وتعتبر كذلك تربية الكلاب تعويضا عن امتناع الهولنديين عن الإنجاب وتربية الأولاد التي لا تتناسب وولعهم بشهوات الدنيا اذ يفضل أغلب الهولنديين قضاء فترة الشباب في اللهو والتمتع أما قضية الولادة فقد تأتي لاحقا وغالبا لا تتجاوز طفلين لعائلة واحدة مما يهدد البلد بشيخوخة مبكرة، وهو مبرر لانتشار الكلاب بكثرة لكن الشيء المثير أن هذه الكلاب مسالمة وأليفة لا تعرف الاعتداء أو الهجوم أو العض، عكس الكلاب عندنا فهي عدوانية ومخيفة، والكلب الهولندي يتمتع بحق التطبيب وسيارة إسعاف خاصة بالحيوانات وأطباء أكفاء وعيادات خاصة ويتوافر على الجنسية الهولندية وجواز السفر ويحمل اسما وحقوقا مصونة عكس العديد من الآلاف من المواطنين المسلمين والأجانب الذين يفتقرون إلى وثائق إقامة أو إلى حقوق موازية مع حقوق الكلاب وللتذكير فهذا المخلوق لا يقتات على فضلات الهولنديين بل يتناول اللحم الصافي ومأكولات عصرية مخصصة له في المتاجر الكبرى تجد مكانا خاصا بالكلاب به أنواع المأكولات والحلوى الخاصة به والمشروبات إضافة الى وسائل النظافة وتنظيف الأسنان وغيرها، كل شيء متوافر له بل الادهى من هذا أنه يحل لسيادته ما لايحل للضيف أو الزائر من أفراد العائلة، فهو ينام في فراش صاحبه ويجلس على كرسيه ويستعمل جميع أدواته ويقبله ويأكل معه من آنية واحدة بالإضافة الى أنه ان تخلص من فضلاته في الشارع العام فان صاحبه سينحني سواء كان امرأة جميلة أو رجلا ثم يجمع فضلاته دون حياء أو خجل هذه أمور طبيعية في بلاد تعيش فيها الكلاب سواسية في الحقوق مع الانسان بل أكثر وعندما يموت أو ينتهي أجله فان صاحبه يشيعه في جنازة مهيبة ويبكي عليه بكاء لا يبكيه في أبنائه ويتلقى العزاء على الفقيد العزيز فيا ترى كيف نال هذا المخلوق كل هذا العز وأي زمن هذا الذي يكرم فيه الكلاب ويهان ويستفز فيه المسلمون والعرب والأجانب وشعوب العالم الفقير.. حقا إنه زمن الكلاب. * أمستردام