اكتسب قطاع التشييد و البناء أهميته لارتباطه المباشر بالإنسان وحصته العالية في الناتج القومي المحلي إضافة إلى أنه مظهر مادي بارز لحضارة الأمة. ولقد شهدت المملكة في الربع الأخير من القرن الماضي تشييد أعداد هائلة من المنشآت، ساهم في إنجازها مهندسون من جميع قارات العالم، فتنوعت تبعاً لذلك نظم البناء ، مما دفع عدداً من مؤسساتها العامة إلى تبني كودات عالمية مع إجراء تعديلات محدودة عليها ، إلى أن صدر قرار من مجلس الوزراء بتشكيل لجنة وطنية من ممثلين من الوزارات المعنية والجامعات والمؤسسات العامة المتخصصة والقطاع الخاص لإعداد كود بناء موحد للمملكة. وتُبرز هذه الورقة التي سنستعرضها وهي حول ( كود البناء ومتطلبات السلامة ) للمهندس / محمد بن حامد النقادي وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية للتخطيط والبرامج نائب رئيس اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي رئيس شعبة الخرسانة في المنطقة الوسطى , أهمية وجود كود موحد للبناء لتطبيق الحد الأدنى من متطلبات السلامة وتحقيق بيئة مبنية صحية تحمي الإنسان والممتلكات حيث توضح مفهوم كود البناء وعناصره ومحاوره واشتراطات السلامة . وتعرض المراحل التاريخية لتطور الكودات الحديثة وارتباط تطورها بما يحدث من حرائق وكوارث طبيعية وما يستجد من تجارب . ثم تعرض بعض التجارب الدولية في منهجية إعداد الكودات، وخطة عمل اللجنة الوطنية في إعداد كود البناء السعودي. كود البناء تعني كلمة كود "بفتح الكاف وسكون الواو" في اللغة العربية "كل ما جمعته و جعلته كثيباً من طعام و تراب و نحوه " و الجمع "أكواد" ويقال "كود التراب" ويعتبر كود البناء ( مستندا قانونيا ) يحتوي على ضوابط للبناء تكفل الحد الأدنى المقبول من السلامة والصحة العامة في البيئة المبنية ، ويصدر بقانون من السلطة التشريعية في الدولة، وتقوم بالمراقبة على الالتزام بتطبيقه الجهات الحكومية المعنية بالبناء . ويرتبط كود البناء عادة بمتطلبات الحما ية ضد الحرائق والتي يقوم بالتأكد من تطبيقها الدفاع المدني أو ما يسمى ( Fire Marshal ) في بلديات الدول الغربية ( أمريكاوكندا ) . و يهدف كود البناء إلى تعيين الحدود الدنيا المقبولة اللازمة لحماية الصحة العامة ، وسلامة المستخدمين و المارة ، والحياة الملائمة داخل المبنى ، وتعتمد الحدود الدنيا على القوانين الطبيعية والعلمية ، وخواص المواد ، و المخاطر المتمثلة في المناخ( الرياح ) والجيولوجيا ( مقاومة التربة وحدوث الزلازل ) واستخدامات المبنى ( الأحمال الحية أو اهتزاز الماكينات ) وعليه يُعرف "كود البناء " بأنه مجموعة القوانين والنظم الفنية والعلمية والإدارية التي تعتمدها إدارة حكومية ( أو إدارات ) مختصة بالبناء لضمان الحد المقبول من السلامة والصحة العامة على أساس القوانين العلمية والظروف الطبيعية و القواعد الهندسية وخواص المواد و المخاطر الطبيعية كالزلازل و الحرائق وكذا أغراض استخدام المنشأ . ولقد ترتب على أخطاء البناء أو قصوره أحياناً في مقاومة الكوارث مثل الزلازل والرياح ، أو الحوادث كالحرائق ، أو عدم جودة مواده أو سوء مصنعيتها آثارا ضارة بسلامة الإنسان وصحته وحياته . من أجل ذلك بُدئ منذ آلاف السنين في وضع اللوائح والقوانين التي تكفل تشييد مبانٍ آمنة وسليمة ، ومع تراكم تجارب وخبرات الإنسان نتيجة تعرض منشآته للحوادث و الكوارث سواءً كانت قدرية أو بفعل الإنسان نفسه ، وتوثيقها ، واستنباط الدروس منها مباشرة أو عبر بحوث ودراسات واختبارات معملية ، فقد تجمع عدد هائل من اللوائح والقوانين لكل مجتمع وبيئة . المواصفات القياسية مجموعة من القواعد و الاشتراطات والمتطلبات التي تعنى بتعريف المصطلحات وتصنيف مكونات المواد وتوصيف المواد و الإجراءات و الأبعاد والتنفيذ والتصميم و التشغيل و المقاييس النوعية والكمية وتعد المواصفات القياسية و تنشر بواسطة جهات تضم أصحاب التخصص و هيئات حكومية وجمعيات وتكتلات صناعية وطنية. المواصفات الفنية المواصفات الفنية هي مستندات الإنشاء التي تحدد نوع و كيفية التنفيذ و المواد التي وضع على أساسها العقد بين المقاول و الجهة صاحبة المشروع وتعتبر المواصفات الفنية من أهم الوثائق والمستندات التي يتم على أساسها توريد وتنفيذ واستلام جميع الأعمال الواردة بالمخططات ، وطريقة قياس و حصر الأعمال و صرف الدفعات لأي مشروع من مشروعات البناء . و كلما كانت المواصفات الفنية دقيقة في وصف الأعمال و موادها و طرق تنفيذها أمكن الارتفاع بمستوى جودة العمل وتعد بواسطة الجهة صاحبة المشروع أو من يمثلها من المهندسين أو المكاتب الاستشارية وتكون المتطلبات والاشتراطات وفق ما يراه معد المواصفة كافياً لتنفيذ الأعمال بصورة صحيحة . وتكون المرجعية للمواصفات القياسية للمواد و لطرق الاختبار وللممارسة الهندسية العلمية ولطرق الإنشاء التي يختارها ويحددها معد المواصفة. محاور الكود يمكن افتراض ثلاثة محاور يرتكز عليها كود البناء ، وتنطلق منها مهامه وأهدافه ورؤاه ، وتصاغ في أطرها معادلاته الرياضية وتبنى عليها اشتراطاته ومتطلباته ، و هي: متطلبات السلامة والصحة: ويهدف كود البناء إلى تحديد المتطلبات والمقاييس الدنيا لحماية الإنسان والممتلكات والمحافظة على صحته وسلامته ورفاهيته وراحته من خلال قوة ومتانة واستقرار البناء وسهولة مخارج الطوارئ وكفاية أدواته الصحية وتوفر الضوء والتهوية الكافيين، وذلك بتنظيم وضبط ومراقبة التصميم والتنفيذ. حماية البيئة : البيئة هي الحيز الذي يعيش فيه الإنسان مؤثراً فيه ومتأثراً به ، وهي الطبيعة - بكل أبعادها - خلقها الله القدير بإبداع لتحيط بالإنسان - يستمد منها طاقته ومقومات حياته وتشاركه فيها كائنات خلقها الله لحفظ توازن الكون أو لحكمٍ أرادها الله سبحانه وتعالى لا يعلم منها الإنسان إلا قليلاً ، وإلى جانب البيئة الطبيعية هناك بيئة يبنيها الإنسان ليقضي فيها حاجاته من عبادة وسكن وتعلم وعمل وصناعة وتجارة ولهو وغيرها ، والبيئة المبنية لا يقتصر تأثيرها على البيئة الطبيعية فحسب بل تتعداه إلى الإنسان نفسه ، صحته وسلامته ونفسيته واحتياجه فهو يقضي فيها ما يقارب 90 بالمائة من وقته . وهذا التأثير المزدوج للبيئة المبنية على البيئة الطبيعية والإنسان أوجب على قطاع التشييد والبناء أن يكون أكثر تحسساً لمتطلبات صحة وسلامة الإنسان ولا يمكن تحقيق ذلك دون وجود معايير ونظم تحكم عملية البناء وتضمن استمراريتها وديمومتها. البناء المستدام البناء المستدام هو إيجاد إدارة بيئية صحيحة تعتمد على كفاءة استخدام الموارد واحترام المبادئ المؤدية إلى التجانس مع البيئة ، فالمباني المصممة بأسلوب مستدام تهدف إلى خفض آثارها السلبية على البيئة من خلال ترشيد استخدام الطاقة والموارد وقد نص البند 101-3 من الكود العالمي للبناء ( IBC) أن يكون من أغراض الكود حفظ الطاقة . ومن جهة أخرى فإن التصميم الإنشائي يحرص على ديمومة المنشآت ويساعد على ذلك أيضاً القيام بالصيانة الوقائية والعادية في أوقاتها. اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي تشكلت اللجنة الوطنية لكود البناء و اعتمدت الخطة العامة لها بناءً على قرار مجلس الوزراء بتاريخ 5/6/1422ه و يمثل أعضاؤها وزارات و جهات حكومية معنية بالبناء و التشييد و من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم و التقنية و هيئة المواصفات والمقاييس و الجامعات السعودية . و الأهداف الاستراتيجية للجنة الوطنية لكود البناء في المملكة العربية السعودية هي إعداد كود بناء موحد , إعداد و إقرار أسس و معايير تصميم المنشآت المقاومة للزلازل , إعداد خطة لدراسة تقويم و تحسين الكفاءة الزلزالية للمباني المقامة حالياً في المناطق النشطة زلزالياً , اقتراح الأنظمة التي تلزم الجهات العامة والخاصة بتطبيق أسس و معايير تصميم المباني والمنشآت المقاومة للزلازل. التجربة الأوروبية إن فكرة إصدار نموذج لمجموعة من الكودات العالمية لتصميم مواد البناء المختلفة وتطبيقه على جميع أنواع المنشآت ، نشأت في عام 1974 باتفاق مجموعة منظمات تقنية تألفت من علماء وخبراء من دول مختلفة بهدف تبادل الخبرات العلمية والعملية في المجالات الهندسية. في نهاية السبعينيات تولت المفوضية الأوروبية أمر الكود الأوروبي بشكل رسمي مستخدمة نتائج أعمال المنظمات التقنية السابقة ، إلا أنه واجهتها مشكلتان رئيسيتان وهما الصبغة القانونية لتطبيق الكود في الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية وصعوبة تمويل إصدار الكود ، وهنا يجدر الإشارة إلى أن توحيد كودات البناء الأوروبية ومواصفاتها القياسية كان ضمن سياسة اقتصادية أوروبية تهدف إلى إزالة جميع أنواع الحدود والحواجز بين دول الاتحاد الأوروبي ومن تلك الحواجز التقنية ، وذلك بغرض ضمان انسياب البضائع وتبادل الخدمات بسهولة تامة وبلا عوائق ، ويتم ذلك عبر آلية محددة توجه من خلالها النظم والقوانين المتوافقة لاستخدامها ضمن قانون الدولة بعد الموافقة عليها من قبل مجلس وزراء أوروبي ، وترتب على ذلك الالتزام تضمين مناقصات المشاريع الإنشائية للقطاع العام وكذا عقود الخدمات الهندسية مواصفات البناء الموحدة . ولمزيد من التقارب والتوافق في نظم وقوانين التشييد والبناء في المجموعة الأوروبية لزم وضع متطلبات أساسية في عدد من المجالات وتطبيقها على جميع قطاع التشييد والبناء . وتشمل المتطلبات الأساسية مجالات التوازن والاستقرار والمقاومة الميكانيكية ،السلامة في حالة الحرائق ،الأوبئة والصحة والبيئة ،السلامة أثناء الاستخدام ،الحماية من الضجيج ،ترشيد الطاقة والحجز الحراري . إضافة إلى مطلب في المجال الاقتصادي وهو أن تؤدي المنشآت الغرض الذي انشئت من أجله خلال عمرها الزمني الافتراضي مع توفر صيانة عادية لها . أما فروقات التضاريس وأحوال الطقس في المستوى الوطني أو الإقليمي أو المحلي بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فلقد روعيت بوضع فصل خاص لها في الكود . في نهاية عام 1989 تولت اللجنة الأوروبية للمقاييس ( CEN ) مسئوليات الكود الأوروبي معتمدة على الأعمال التحضيرية التي قامت بها المنظمات الدولية في قطاع التشييد والبناء ، والمواصفات التي صدرت من المنظمة العالمية للمقاييس ( ISO ) صدرت من الكودات الأوروبية 9 كودات تغطي النواحي الإنشائية . وهي كودات التحليل الإنشائي والأحمال ،و الخرسانة ،والمنشآت المعدنية ،والمنشآت ذات القطاعات المركبة ،و الخشب ،وأعمال المباني ،وميكانيكا التربة ،واشتراطات واحتياطات الزلازل ،والمنشآت من الألومنيوم. التجربة الأمريكية نتيجة لحوادث الحرائق العديدة في بداية القرن الماضي و التي نتج عنها فقد نسبة عالية من الأرواح و الممتلكات . اتفق عدد من شركات التأمين على إصدار لوائح و نظم تكون تشريعات ملزمة للأطراف العاملين في صناعة البناء و التشييد و انتهت تلك الجهود بإصدار كود بناء نموذجي تم تقديمه إلى الولايات و الحكومات المحلية لتتبناه كقوانين لها ، ونال الكود النموذجي انتشارا واسعاً لتوفيره نفقات الدراسة و البحث على الولايات والحكومات التي تتبناه. وكان الفاصل الزمني لتطبيقه وتحديثه عشر سنوات إلا أن المسئولين عن تطبيقه وجدوا من المناسب عقد اجتماعات لبحث جوانب القصور والسلبيات في ذلك الكود ونتج عن تلك الاجتماعات إنشاء ثلاث منظمات لتطبيق الكود وإلزامه ، وتأسست أول تلك المنظمات عام 1915 منها الهيئة الدولية لمسئولي البناء وإدارة الكود وكانت تمثل الجزء الشرقي والوسط الغربي من امريكا , الهيئة الدولية لمسئولي البناء و تمثل الجانب الغربي من الولاياتالمتحدةالأمريكية , مؤتمر البناء الدولي للولايات الجنوبية و تمثل الجزء الجنوبي من الولاياتالمتحدةالأمريكية وقامت كل منظمة من المنظمات السابقة بإصدار كود خاص بها له نفس أهداف الكود الأصلي . التجربة الكندية يتولى معهد البحوث الوطني الكندي وهو مؤسسة حكومية إصدار كود البناء الكندي وذلك خلال معهد البحوث والبناء ، والكود الكندي قائم على الوحدات القياسية أو ما يعرف بالنظام المتري ويتألف من تسعة أجزاء ويتوفر بلغتين هما الإنجليزية والفرنسية ويعتمد كثيراً على المراجع الأمريكية في مواصفات واختبارات المواد ، وهناك نظائر للهيئات العلمية الأمريكية المتخصصة لها نظائر في كندا وعلى الرغم من اعتماد الكود الكندي أساساً على الكودات الأمريكية فقد قامت كندا بالنظر بحرص إلى ظروفها وإلى البحوث التي أجريت فيها وخارجها وأضافت وعدلت وغيرت وعلى سبيل المثال فإن الكود الكندي أدخل طرق تصميم الصلب الإنشائي ( الحدود النهائية للتصميم ) قبل الكودات الأمريكية بثماني سنوات. ضرورة ان يتضمن المبنى وسائل السلامة لحماية سكانه من الحرائق إفتقاد المباني لمواصفات مقاومة الزلزال تسرع بانهيارها