يوقع السودانيون اليوم في كينيا بحضور اكثر من ثلاثين رئيس دولة وحكومة ووزير خارجية اتفاق سلام يؤمل ان ينهي حربا اهلية بين الشمال والجنوب استمرت لاكثر من اربعين عاما.ويوقع الرئيس السوداني عمر البشير عن حكومة السودان وقائد المتمردين الدكتور جون قرنق عن الحركة الشعبية لتحرير السودان وجناحها العسكري ولا يعكر صفو الاحتفال سوى استمرار اشتعال نار الحرب في غرب السودان حيث قدم الامين العام للامم المتحدة في تقريره الاخير الى مجلس الامن الدولي، صورة قاتمة جدا للوضع في دارفور مؤكدا وجود مأزق سياسي وغياب الامن وتصاعد العنف في هذا الاقليم. وكانت الخرطوم والحركة الشعبية بدآ التفاوض في كينيا مطلع 2002 لوقف النزاع الذي زاد من تعقيداته وجود مخزونات هائلة من النفط في المنطقة. وقال جون كويتش وزير التعاون الاقليمي الكيني المكلف تنظيم الحفل (ان اهم تاريخ في عملية السلام السودانية سيكون يوم الاحد). وقد وفى الطرفان بالوعد الذي قطعاه لمجلس الامن الدولي في تشرين الثاني/نوفمبر للتوصل الى اتفاق بنهاية العام الماضي. يساعد اتفاق السلام في جنوب السودان الذي سيجرى التوقيع عليه في كينيا اليوم في تخفيف الضغط على الحكومة السودانية في الخرطوم التي واجهت معظم العام المنصرم موجة من الانتقادات الدولية لاسلوب تعاملها مع الصراع المنفصل في منطقة دارفور الغربية. وقال محللون ان حكومات الولاياتالمتحدة والدول الاوروبية ستصور اتفاق السلام في الجنوب على أنه نموذج لدارفور وسيحثون الحكومة على القيام بترتيبات مشابهة لانهاء أزمة شردت أكثر من 6ر1 مليون من سكان دارفور. ولكن هامش المناورات سيكون محدودا لان الخرطوم تتوقع مكافأة ما لتوصلها لاتفاق مع ثوار الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب ولن ترغب الدول الغربية في القيام بشيء يعرض للخطر التنفيذ السلس للاتفاقات المعقدة. وقال جون رايل المتخصص في شؤون السودان في معهد ريفت فالي (كما أوقف (المجتمع الدولي) ضغطه على دارفور جزئيا لكي لا يعرض عملية السلام في الجنوب للخطر قد يفعل نفس الشيء لكيلا يعرض تنفيذها للخطر) ويقول محللون ان الحملة الدولية لحل أزمة دارفور وصلت لذروتها منذ عدة شهور لان الولاياتالمتحدة وبريطانيا وهما اللاعبان الرئيسيان فيما يتعلق بسياسة السودان في مجلس الامن لا يرغبان في التدخل المباشر الذي تخشاه الخرطوم. ويبدو أن الخرطوم نجت من وصف المذابح الجماعية الذي استخدمته واشنطن في وصف بعض عناصر الصراع في دارفور وأي عقوبات جديدة يمكن تصورها لن تكون أسوأ من العقوبات التي فرضت على السودان في عدة أوقات خلال الاعوام العشرة المنصرمة. ويخفف ايضا السلام في الجنوب من نفوذ جماعة الضغط الامريكية التي تستهدف الحكومة السودانية وهي تحالف من المسيحيين والامريكيين الافارقة ساعد في توجيه السياسة الامريكية ضد الحكومة السودانية التي يزعمون ان الذين يسيطرون عليها هم (العرب والمسلمون). وقال كينت داجرفيلد رئيس بعثة الاتحاد الاوروبي في الخرطوم ان السلام في الجنوب قد يؤدي الى الافراج عن ما يصل الى 400 مليون يورو (540 مليون دولار) من المساعدات الاوروبية للسودان حتى اذا استمر الصراع في دارفور. وصرح لرويترز (اتفاق السلام سيكسبها (الحكومة السودانية) فضلا وسمعة حسن النية. بالطبع لا يمكن أن ننسى دارفور ولكن عندما يوقعون سنبدأ في التعامل مع الموقف). وقالت مارينا اوتاواي المسؤولة الكبيرة بمنظمة كارنجي انداومنت من أجل السلام الدولي وهي منظمة خاصة لا تسعى لتحقيق أرباح مقرها واشنطن ان السلام في الجنوب يضع الحكومات الغربية في موقف صعب فيما يتعلق بدارفور. وأضافت لرويترز (يتحتم على الولاياتالمتحدة وبريطانيا منح بعض الفضل للحكومة والا فان التحرك صوب السلام قد يتراجع ومن ثم سيهدأ الضغط نوعا ما على الحكومة ولكن سيكون هناك اعراض كبير عن عمل ذلك في وسط صراع دارفور). وقال دبلوماسيون ان حكومات بلادهم ستنتهز الفرصة لدفع الخرطوم صوب التوصل لحل شامل لكل صراعات البلاد التي امتدت على مدار السنين لتتضمن الاضطرابات في شرق البلاد. ويقول محللون ان الصراعات لها جذور مشتركة من سيطرة مزمنة على الحياة السياسية للسودان بعد الاستقلال من جانب مجموعة صغيرة من العرب مقرها وادي النيل شمالي الخرطوم مما يشكل ضررا على الولايات البعيدة. وتشكو كل جماعات المتمردين في الجنوب والغرب والشرق من التهميش وهو تعبير سياسي عن استبعاد جماعاتهم العرقية من الوظائف العليا في الحكومة والجيش والادارات المدنية. وقال رايل من معهد ريفت فالي ان الحكومة الغربية أخطأت في الاتكال على توقعات بأن الثوار لجنوبيين سيسعون من أجل التوصل لتسوية في دارفور فور انضمامهم للحكومة الوطنية. ومضى رايل يقول (أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان في الحكومة الوطنية الجديدة سيحجمون عن تحمل مسؤولية أفعال الحكومة في دارفور حتى عندما يتولون مناصبهم الجديدة في الخرطوم). وقالت اوتاواي ان الظروف المحيطة بالاتفاق لانهاء الصراع في الجنوب الذي بدأ عام 1983 ودمر المنطقة مختلفة تماما عن تلك السائدة في دارفور حيث يقاتل المتمردون منذ اقل من عامين. وأضافت (انظروا للفترة التي استغرقها التفاوض على الاتفاق في الجنوب (أكثر من عامين) وأرهق الجانبان تماما. وكانت المفاوضات من أجل التوصل لاتفاق سارية عندما اندلعت أزمة دارفور ولكن الحكومة لم تصبح أكثر مرونة ومن ثم فانني لست متفائلة). وقال رايل انه في اطار علاقاتها بالحكومات الغربية فان حكومة الخرطوم تنتفع بالفعل من الغموض المحيط بالجهة المسؤولة عن أزمة دارفور.