لم تكن حالة ارتفاع اسعار النفط التي شهدتها اسواق النفط العالمية خلال العامين 2003 - 2004 حدثا مفاجئا، بل سبقتها عدة تطورات مهمة على الساحة النفطية ادت الى الوصول الى هذه الاسعار القياسية. فخلفية الحدث الذي استقطب اهتمام الاقتصاد الدولي والسياسة العالمية في منتصف عام 2004 تحوم حول عاملين اساسيين ظهرا الى حيز الوجود في السنوات الاربع السابقة، حسبما جاء في الدراسة التي اعدها الدكتور وليد خدوري رئيس تحرير نشرة ميس النفطية في تقرير عن اسواق النفط في 2004 - 2005م، حيث كان العامل الاول يتركز على سياسة منظمة اوبك الناجحة للتحكم في السوق النفطي من اجل استقرار سعر سلة نفوط اوبك على مستوى 25 دولارا للبرميل الواحد، وهذا هو ما حصل خلال السنوات الاربع الاولى من هذا العقد، وبالفعل فقد كان معدل سعر سلة نفط اوبك خلال الفترة 2000 الى 2004 حوالي 50ر25 دولار للبرميل الواحد. ويعزي الدكتور خدوري السبب الرئيسي وراء هذه السياسة الهادفة الى تلافي تجربة انهيار الاسعار في عام 1998م والربع الاول من عام 1999 وحاجة معظم الدول المنتجة لريع نفطي اعلى من اجل سداد المصاريف الحكومية المتزايدة من معاشات ورواتب تقاعد ونفقات امنية ومخصصات عالية للفئات الحاكمة. اما العامل الثاني، ولربما كان اكثر اهمية، هو الزيادة الكبيرة المقدرة ب10% سنويا في كلفة الاستكشاف والتنقيب والانتاج للنفط في الاقطار من خارج اوبك، ناهيك عن خيبة الامل الكبرى في العثور على الحقول الضخمة التي يمكن ان تعوض عن النفط المنتج وتوفير نفط كاف للطلب المستقبلي. وبالفعل نجد ان الزيادة في الانتاج من الدول خارج اوبك لا تتعدى في احسن الاحوال حوالي مليون برميل يوميا، بينما الطلب الجديد على النفط في عام 2004 يزيد على مليوني برميل يوميا. ورغم هذه العوامل المهمة والجديدة على الساحة النفطية، فقد خيمت حالة من التشاؤم على اسعار النفط طوال النصف الثاني من عام 2003 حتى الربع الاول من العام التالي، وقد تركت هذه الحالة النفسية بصماتها على طريقة تعامل الاسواق مع الحالة النفطية مما ادى، فيما ادت اليه، الى تبني سياسات قادت الى زيادة الاسعار في الربع الثاني من عام 2004 وايصال سعر النفط الامريكي الى معدلات قياسية زادت على 42 دولارا للبرميل الواحد. لقد اجمعت التوقعات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية وادارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الامريكية وسكرتارية منظمة اوبك خلال النصف الثاني من عام 2003 على انه في حال استمرار انماط الانتاج العالية وفي ضوء التنبؤات السلبية نسبيا بخصوص النمو الاقتصادي العالمي، فان الطلب الدولي على النفط سيكون منخفضا في عام 2004 وبالذات في الربع الثاني وبحدود 2 الى 5ر2 مليون برميل يوميا اقل من الربع الاول، وفي ضوء هذا الاجماع من قبل اهم ثلاث مؤسسات متخصصة قام المضاربون في اسواق نيويورك النفطية ببيع كميات كبيرة من البراميل الورقية المتوافرة لديهم تحسبا لانخفاض اسعار النفط واعتقادا منهم ان منظمة اوبك مهتمة اكثر بسياسة الانتاج القصوى وحيازة اكبر حصة من الاسواق بدلا من دعم الاسعار. الا ان المفاجأة الاولى، والكبرى، كانت في اجتماع منظمة اوبك الاعتيادي في فيينا في 24 سبتمبر 2003 عندما قرر وزراء النفط تخفيض سقف الانتاج بحدود 900 الف برميل يوميا (من 4ر25 الى 5ر24 مليون برميل يوميا) وذلك من اجل الابقاء على المخزون التجاري في الدول الصناعية على مستواه الآني بدلا من حصول زيادة كبيرة تؤثر سلبا في الاسعار، وايضا للعودة الى موازنة العرض والطلب مرة اخرى، وبالذات بعد ان زادت اقطار المنظمة، وبالذات الخليجية منها، مستويات انتاجها في النصف الاول من العام للتعويض عن النقص في النفط العراقي والفنزويلي والنيجيري. واهتزت الاسواق النفطية بعيد اجتماع اوبك في نهاية سبتمبر، وخسر المضاربون وصناديق الاستثمار الملايين من الدولارات نظرا لحساباتهم المستقبلية الخاطئة، ومنذ ذلك الوقت، وحتى لا يفاجأوا مرة اخرى، تتابع الاسواق النفطية بحذر شديد تصرفات واقوال وقرارات وزراء اوبك، وانعكس الوضع بصورة جذرية فبدلا من تقليص الاستثمارات في عقود النفوط الورقية الآجلة، انكب المضاربون على شراء هذه الكوبونات ووصلت عمليات الشراء هذه ارقاما قياسية لم تصلها سابقا. وتقدر مؤسسة (ميريل لينش) في نشرتها الطاقوية المؤرخة في 17 مايو 2004 ان مجمل الكمية التي اشتراها المضاربون في تاريخهم هي اكثر من 131 مليون برميل، او ما يزيد على ضعف معدل شراء هذه الكوبونات في الاحوال الاعتيادية، وادت اعمال المضاربة هذه الى رفع اسعار النفط، كما ان هذه العملية عكست آراء وتوقعات الاسواق الاستثمارية بأنه رغم جميع تطمينات منظمة اوبك حول توافر الامدادات النفطية وتلبية حاجات الشركات وعدم احداث أي شحة في الاسواق الا ان هناك تخوفا من وقوع احداث سياسية وامنية معينة قد تفرض نقصا في امدادات النفط مما سيرفع الاسعار ومن ثم ارباح هذه الشركات. ومن هنا برز السؤال: ما العامل المؤثر في اجماع المضاربين ورهانهم على ارتفاع الاسعار بحيث يجعلهم يخاطرون بمليارات الدولارات؟ وكان الجواب السريع لذلك انهم يتوقعون احداثا مهمة في العراق قد تؤدي الى انقطاع الامدادات النفطية ومن ثم تطور الكلام الى ان الاحداث الارهابية في السعودية هي وراء تخوفاتهم ومضارباتهم. الا ان الجواب، رغم المخاوف الامنية الحقيقية منها او الاخرى المبالغ فيها، ان هناك عوامل اساسية اخرى في الاسواق النفطية دفعت بالاسعار الى المستويات العالية خلال الفترة قيد البحث.