أظهر القرار الأمريكي الأخير بزيادة عدد القوات الأمريكية في العراق، وتمديد وقت خدمة الكثيرين من الجنود الأمريكيين في العراق، مدى صعوبة السيطرة على الوضع الأمني بعد ثمانية عشر شهرا من شن الحرب الأمريكية على العراق، وخشية القادة الأمريكيين من تصاعد العنف قبل وأثناء الانتخابات، التي تُصر الولاياتالمتحدة على إجرائها في 30 يناير 2005. كما أظهرت زيارة دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي للقوات الأمريكية تذمر الجنود من عدم تزويدهم بالمدرعات الكافية لحمايتهم من الموت والعاهات المستديمة، التي عجز رامسفيلد عن تقديم مبررات مقنعة للتقصير في حماية الجنود الأمريكيين في العراق، مما دعا السناتور الديمقراطي كريستوفر دود إلى مطالبة وزير الدفاع بتقديم تفسير فوري لعدم وفائه بوعد قطعه أمام مجلس الشيوخ الأمريكي بأن تُصبح كل ناقلات الجنود الأمريكيين في العراق مُدرعة بحلول 31 يوليو الماضي. و قال رئيس عمليات المخابرات الأمريكية في العراق في تقرير نهاية عمله في بغداد: "إن عملية إعداد وبناء قوات أمن عراقية تتسلم المهام الأمنية من القوات الأمريكية، لا تسير بالسرعة اللازمة لمواجهة العنف المتزايد من المتمردين والمسلحين في أنحاء العراق، مما سيؤدي إلى الحيلولة دون ظهور الحكومة العراقية بمظهر من يبسط سلطته على كافة أنحاء البلاد، وما لم يحدث تغيير في الموقف الأمني، وما لم تظهر الحكومة الانتقالية للشعب العراقي أن لها سلطة فعلية، وما لم يلمس العراقيون مظاهر واضحة لتقدمهم اقتصاديا، فإن العنف سيزداد في العراق، وخاصة إذا لم يشارك العراقيون من السُنة، الذين اعتادوا أن يكون لهم ثقل كبير في السلطة في الانتخابات المزمع إجراؤها في يوم 30 يناير القادم". وشدد مسئول المخابرات الأمريكية على أن "العنف سيتزايد بعد الانتخابات، أيضا إذا أسفرت عن وصول الشيعة بأغلبية حاسمة إلى أقوى مراكز السلطة في العراق". ومع أن السفير الأمريكي في العراق جون نيجروبونتي اختلف مع تقييم قائد عمليات المخابرات الأمريكية في بغداد، وحاول التركيز في تقييمه على ما وصفه بنجاح قوات التحالف والحكومة المؤقتة في التعامل مع المتمردين والمسلحين في العراق، فإن مايكل كوستيو، كبير مستشاري المدير الجديد لوكالة المخابرات الأمريكية بورتر جوس، أكّد بعد عودته من بغداد أن "الوضع في العراق يتأرجح بين التقييمين". وفي تقرير بعنوان "استراتيجية لإعادة تشكيل السياسة الأمريكية في العراق والشرق الأوسط"، أعده أنتوني كوردسمان، الخبير الاستراتيجي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، طالب الولاياتالمتحدة بتجنّب الالتزام العقائدي الذي لا مبرر له بضرورة الاستمرار في المهمة في العراق مهما كانت الظروف ومهما بلغت التكاليف. وقال التقرير، إن الولاياتالمتحدة تُواجه كمّا هائلا من الغضب والرفض العراقي لاستمرارها في المهمة إذا اتّضح فشلها، وبالتالي، فإذا طلبت حكومة عراقية منتخبة انسحاب القوات الأمريكية بعد أن تتمكّن قوات الأمن العراقية من تأمين البلاد، فيجب أن تستجيب، كما يجب أن تنسحب القوات الأمريكية إذا اندلعت حرب أهلية في العراق. ولكن إذا قررت الولاياتالمتحدة الاستمرار في العراق، فيجب أن تتّبع عددا من الخطوات لتحسين فُرص نجاح المهمة، بما في ذلك، كما يقول تقرير كوردسمان: -1- التأكيد بما لا يدع مجالا للشك على أن الولاياتالمتحدة تسعى لإقامة حكومة شرعية في بغداد قادرة على البقاء، وأنها لا تسعى للتواجد في العراق متى تم إنجاز ذلك الهدف على أن تشفع الولاياتالمتحدة أقوالها بالأفعال. * 2- تكثيف جهود المساعدات الأمريكية لتطوير نظام فعال لإدارة العراق، يعتمد على الإدارة المحلية، بالإضافة إلى الحكم المركزي في بغداد. 3- - تخصيص الأولوية القصوى لجهود تطوير وبناء قوات مسلحة عراقية، وقوات أمن عراقية يمكنها تسلم المهام الأمنية من القوات الأمريكية. -4- تعديل الطرق المُستخدمة في الحرب لتقوية المحتوى السياسي للاستراتيجية والتكتيك الأمريكي، بعد أن أثبتت التجربة أنه مع قدرة أمريكا على تحقيق النصر في أي معركة عسكرية، فإنه من غير المؤكّد أنها ستكون قادرة على حصد نتائج سياسية واقتصادية للحرب. 5- إعادة تشكيل وصياغة جهود المساعدة الاقتصادية، للتركيز على تحقيق الاستقرار الداخلي في العراق خلال عامي 2005 و2006، ونقل مسئولية التخطيط والإدارة والتنفيذ إلى الحكومة العراقية، مع الإنهاء التدريجي للعقود المُبرمة مع شركات أمريكية في أقرب وقت ممكن. أوصى تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية بتعزيز موقف الولاياتالمتحدة في العالم العربي من خلال منح الصراع العربي الإسرائيلي أكبر قدر من الاهتمام العلني، مع إعادة بناء العلاقات الأمريكية الخاصة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وتحسين التعامل الأمريكي مع العالم الإسلامي.