أحلام الماء حلم الأسماك الأبدي. هكذا تبقى اعينها مفتوحة دائما، كي لا يطير الحلم، هكذا أيضاً لا يصحو الطفل من سباته. أسطورة السمك والطير والحيوان، كل ينجو من الهلاك. فالسمك يفتح أعينه ليلا نهارا ليحترس، والطير لا يستكين جناحاه هرباً من المجهول، والحيوان يهب ساقيه للريح. وحده الإنسان لا يفتح عينيه ولا يطير ولا ساقان له. دوار أو عشرة أصابع الأشياء كلها رجراجة أمام عيني، مقطّعة ومتماوجة. لوحة الحائط تضطرب مثل موجات صغيرة. أستند إلى ركن السرير، حافة طاولة التسريحة، ثم حلق الباب. وفي مرآة مغسلة اليدين، كان غيري يطالعني خلفه بحر، ويبتسم، أفتح الماء ليدي المرتعشتين، فتنهال مع عشر سمكات ذهبية، تلبط على حوافها في حوض المغسلة، وفي الغرفة وجدت أنني دونما أصابع. أمنيات الصبي تمنى أن يصير سمكة، والسمكة تمنت لو كانت صبياً. كلاهما يحدّق في الآخر، يتفحّصه لساعات طوال. ذبلت عينا الصبي، ودخل الغفوة، فصار يهزّ ذيله وحراشفه في ماء صاف. أما السمكة فلم تزل تفتح عينيها بدهشة كل الوقت، هكذا لم تتمكن من أن تصير صبيا. فوضى بسيور من الجلد، تقود الأمهاتُ، أطفالهن كالكلاب. أيضاً في "نورج" نهارات السبت، تقود الكلابُ المدرّبة العجائزَ مصبوغات الوجوه المتغضنة!! المشي على أربع فقدنا الضوء في المدينة، فأطبق ظلام عميم. في البيت لم أعد أرى يدي في الحلك، فلا أحد يشعل الضوء. صرتُ أمشي على أربع بحثاً عن نظارتي ومفاتيحي وثيابي! اكتشفت في الأيام التالية أن أهل المدينة كلهم يمشون مثلي على أربع! وصية كتب في وصيته: أدفنوني في صحراء الصمان، وحيثما وجدتم أعواد شجيرة رمث تذكروا أنها أصابعي! كلما وجدتم جذع شجرة طلح جاف تذكروا جذعي! أما ثمرة الحنظل المرّة فهي رأسي، مرارتها تعني الكثير من الأسئلة! قطان أسودان في الليل تنام "الرياض" على صمت طويل، البيوت الطامنة تخفي رؤوسها وتغفو، أما ناطحتا السحاب فهما تقفان مثل قطين شرسين يتأهبان لنزال يشعل هدوء المدينة النائمة في سكون.