يوم الخميس الماضي نشرت صحيفة الاقتصادية بالخط العريض في صفحتها الأولى خبر فسح بيع وشراء جوالات الكاميرا، وفي نفس اليوم كنت في مكتبة جرير في الدمام لأجد جوالات الكاميرا امامي: الباندا، والدمعة، والبرتقالة.. وقفت سعيدا ومدهوشا امامها، وانتابني شعور بالغبطة، فأخيرا لن نحتاج لشراء هذه الاجهزة من السوق السوداء وبأسعار مرتفعة، ولن نخاف من اشهارها امام رجال الامن او في الجمارك، لانها تحولت بقدرة قادر من قائمة الممنوعات الى قائمة المسموحات بجوار البيبسي كولا والبيتزا هت!.. هذا الفرح الذي انتابني، ارتد للوراء سريعا، ليتحول الى حزن، وشعور بالأسى، وسؤال يفتح جرحا معرفيا ووجوديا: هل وصلنا لهذا المستوى من التخلف بان نفرح بوجود جوال الكاميرا بيننا، فيما العالم قطع اشواطا في التكنولوجيا تفوقنا بعشرات السنوات الضوئية؟! هل مازلنا في اغنى بلد نفطي في العالم لا نحسن التعامل مع التكنولوجيا ولذا فهي محظورة علينا الى حين خروجنا من اميتنا الى نور المعرفة؟! لا يعقل ان تظل الامور بهذه الصورة التراجيدية، ولا يمكن ان يظل الانسان في هذا الوطن كالطفل يحبو ببطء نحو الحداثة والتقدم، ويعامل كالطفل الذي لا يحسن شيئا!. فسح جوال الكاميرا، وضع امامي قائمة طويلة من الممنوعات، والتي بالتأكيد (تغبط) الجوالات على نعمة الفسح، وتنتظر هي بدورها ان تدخل بطرق شرعية الى البلاد، بدلا من وجودها غير الشرعي، وكأنها افراد من الوافدين غير الشرعيين او الهاربين من كفلائهم. لو أردت ان اسرد قائمة الممنوعات فان المقام سيطول، لاننا في هذه البلاد نتعامل مع المعادلات مقلوبة. فالأصل في الاشياء الاباحة والفسح، الى ان يثبت ضررها او مفسدتها الكبرى. اما هنا فالاصل في الاشياء المنع والحظر الى ان تثبت صلاحيتها وبراءتها، فهي متهمة الى ان يثبت عدم جرمها. المنتظرون كثر، على رأسهم: الكتب، والصحف والدوريات، وخدمة الانترنت عبر الستلايت، ومشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، وباقي الممنوعات. سيكون المواطن فرحا وهو يشتري الكتاب من مدينته دون الحاجة الى السفر الى بيروت او القاهرة، وستقر عينه عندما يمر على رجال الجمارك والبسمة ترتسم على وجوههم وهم يشيرون له بالدخول مع حاجياته بسلام، سيكون سعيدا جدا، فهل ستسعدونه!.