هذا الطريق طريقنا ولنا عليه الحق أن يمشي بنا حتى يظل النجم أعلى من جبال سوف يكسرها الهواء. من ذلك الفضاء المضاء بالألم، المترع بالتأمل، تأتي عادة قصائد الشاعر فيصل اكرم محمولة على لغة خاصة، ومشرعة على مدلولات لاتتوقف عند المعاني الاشارية للمفردات، حيث ينطلق الهم الانساني العام من تفاصيل الوجع الذاتي الى افق اوسع وأرحب، وهذا المفهوم يترسخ لدى الشاعر من مجموعة شعرية الى اخرى، وهوما يتجلى بنسبة ما في اصداريه الجديدين. لقد فاجأنا الشاعر فيصل اكرم بكتابين دفعة واحدة، صدرا عن دار (كتابات) اللبنانية في بيروت، الكتاب الاول: (نصف الكتابة) يزاوج بين الشعر والنثر، وفيه يكشف الشاعر عن جزئية مخفية من تفاصيل القصائد التي كان ينشرها، سواء في زاويته التي امتدت لسنوات في مجلة (الشروق) الاماراتية، ام في مطبوعات اخرى، فهناك قصائد كان النثر يتداخل فيها، ويتقاطع معها لكنها كانت تنشر شعر خالصا من هوامشه النثرية المرتبطة بالمتن الشعري في سياق سردي يشبه الحكي، ويحتكم الى البعد الدرامي المتسلسل، ومن هنا يأتي هذا الكتاب كاشفا عن (النصف الآخر) المغيب في اصل الكتابة او حقيقتها التي لم نكن نعرفها، وقد تميزت تلك التداخلات النثرية بشاعرية من نوع يمكن النظر اليه من زاوية الانحياز الى التأمل، او الذهاب باتجاه فلسفة الاشياء، والتغلغل في مكونها الدلالي العميق، ذلك المكون الذي يقدم صورة مختلفة يستكمل بها الشاعر تفاصيل المشهد الشعري دون قطيعة واضحة مع المكون الشعري الآن حيث يقول الشاعر في جزئية نثرية يفتح بها بوابة قصيدة: (لايمكن لعاقل ان يحن الى المرض او يتمناه، غير ان الايام القليلة الماضية تجعلني اتساءل بصدق: هل المتعة بالحياة تكون كاملة في غياب المرض.؟ فيفجعني جواب لا احسبه هذيانا: ان المتعة بالمرض تكون كاملة في غياب الحياة). هكذا يفتح النثر بوابة الشعر، يضع النثر النقطة الاولى على صفحة ستحمل شعرا فيما بعد، ومع ذلك تظل موثوقة بأصلها الشعري حتى وان نشر مجزوءا او مفصولا عنها، ليبقى السؤال الذين طرحه الشاعر في (الخروج من المرآة) حالة لاتذوب الدهشة فيها. ماذا يريد الجمر من ليل الشتاء؟ ومن هنا يكون المدخل الى الكتاب الثاني الذي حمل عنوان (كبار) ففي هذا الكتاب او الديوان ينسج أكرم كعادته خيوط السؤال، انها خيوط قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها قادرة على احتمال نقل الاسئلة، وما تسعى اليه في نبرتها الاستفهامية، خصوصا اذا كان السؤال بصيغة المختلفة ركيزة اساسية في تجربة الشاعر بشكل عام، وملمحا مهما لم يغب عن معظم قصائده، فالسؤال لديه خطوة للبحث عن الحقيقة، وعلامة للرفض، وفضاء للدهشة، واستنكارا للمعتم عليه، وحتى ان بدا ذلك السؤال عفويا تلقائيا، او فطريا، فانه في كل الاحوال يضع القارئ امام رغبة الكشف والتقصي، ويدفعه دفعا الى استدعاء الغائب او المسكوت عنه. ستعذرك الأرض إن لم يسر دربك الوعر فيها وسوف يحاول كل الذي كنت حالا لديه بأن يستردك في كل ضائع