تحت عنوان هل توجد نظرية نقدية عربية؟ نظمت لجنة الدراسات الادبية واللغوية بالمجلس الاعلى المصري للثقافة ندوة تحدث فيها الناقد الدكتور صلاح فضل استاذ الادب والنقد بجامعة عين شمس ورئيس دار الكتب المصرية الاسبق وفي البداية قال ان اهمية الاجابة عن هذا السؤال تأتي من الاهمية بمكان لانها تتعلق بالهوية القومية ومصير اللغة والانجاز الحضاري لابناء هذه الامة ولكن السؤال يشف عن نبرة واضحة توحي باطمئنان لوجود ابداع عربي الذي اثبت وجوده عالمياً ولكن يلقي بالقلق على الفكر النقدي العربي وهل يواكب الابداع ام لا؟ ثم قال اذا كان العرب ليس لديهم نظرية نقدية خاصة بهم وليس لديهم نظريات في مجالات ترتبط بالواقع المعاصر فلماذا نتوقع ان تكون في الادب نظرية بينما لا توجد في المجالات الاخرى فهل الاهتمام بالنقد الادبي لان النقد لعب دوراً واسعاً في تحريك الواقع الاجتماعي وتطوير الفكر العربي في تطوره التاريخي والانساني. واضاف الدكتور صلاح فضل حتى نجيب عن السؤال هل هناك نظرية نقدية عربية ام لا؟ لا بد من تحديد المفاهيم فما هو تعريف النظرية؟ هي منظومة من المبادئ المتكاملة تفسر ظاهرة انسانية او كونية وتتسم بقدر من المرونة وقابلية التصديق والتجاوز واهم خصائصها انها انسانية شارحة للظواهر عامة التي لا ترتبط بتوجه ايديولوجي، اما النظرية النقدية فلا بد ان تقدم تصوراً كاملاً عن جوانب الابداع وتقييدها بالعربية ليؤكد الهوية القومية العربية التي قوامها اللغة والثقافة بكل مكوناتها وحتى تتميز عن الهويات الاخرى وبالتالي لا نستطيع ان نقول بوجود نظرية نقدية عربية قائمة بذاتها، ولكن السؤال هل هناك اسهامات عربية في اسهامات النقد العربي؟ ان الواقع المعاصر لا تستبد به نظرية واحدة وانما توجد مجموعة من النظريات والشروط التي تساعد على وجود هذا الاسهام انما هو توفر القوام الفلسفي والقدرة على التفكير المنظم حول مجموعة من المبادئ المتماسكة فليس بوسع أي منظر ان ينطلق من ثوابت فلا بد ان يكون لديه قدر من الحرية ومن هنا فاننا نقول ان لدينا في العالم العربي العقول الناضجة والشرط الثاني ان أي بناء نظري لا بد ان يبنى على التراكم المعرفي بحيث يتم توظيف المعلومات والمعارف السابقة للوصول الى النموذج النظري فلا يستطيع انسان ان يبدأ من نقطة الصفر؟ فهل نقادنا يتابعون ما كتب ويجمعونه ويتابعون كل ما يكتب في مجال النقد الادبي باستمرار؟ انني اشك في ذلك ولكننا لسنا محرومين فهناك من يتابع ولكنهم قلة ونحتاج الى الجهود المستمرة والمتواصلة. ونجعل هذا التواصل طبيعة بحثية وعلمية، الامر الثالث ان يتم تجاوز الحواجز لان التفكير المحلي المحدود لا ينتج قامة فكرية ولذلك ينبغي التواصل المباشر مع الانتاج الانساني العالمي وما يقدم عبر الترجمات لا يكفي لانه يعبر عن وجهة نظر المترجم واختياره وكذلك ان يتم التحرر من الحاجز النفسي والايديولوجي فلا تمنعنا الاحداث السياسية الراهنة من الاستفادة بما ينتجه مفكرو ومبدعو الغرب. ثم تساءل الدكتور صلاح فضل هل تحققت هذه الشروط في ثقافتنا؟ وهل النقد العربي ما يكتب بالعربية فقط، او ما يكتبه النقاد العرب بلغات اجنبية ايضاً؟ ان المبدعين العرب مهما كتبوا بأي لغة فنعتبره انتاجا عربيا لانه يعبر عن رؤيتهم ووعيهم من التابوهات المحلية ومن هنا فيمكن ان نعتبر النقد الذي كتبه عرب بلغات اجنبية هو نقد عربي وبالتالي استطيع ان اقول ان لدينا بالفعل اسهامات نظرية نقدية في النقد العالمي وهذه الاسهامات تتجلى في ثلاثة اشياء اولها نقد الاستغراب والذي يمثل ما كتب بلغات اجنبية مثل ما كتبه ادوارد سعيد حيث كتب نظرية اساسية في الاستشراق ويعد من اهم مؤسسي النقد الثقافي ومحللي الخطاب وكذلك مصطفى صفوان واسهاماته في النقد البنيوي الفرنسي وايهاب حسن الذي يعد فيلسوف ما بعد الحداثة اما المجموعة الثانية من التيارات التي اسهمت في تطوير الفكر النقدي فتنقسم الى المدرسة الاسلوبية ولها اسهامها النظري والتطبيقي وبرزت على يد كثيرين مثل امين الخولي واحمد الشابي والزيان وغيرهم وفي المغرب على يد محمد العمري وفي تونس على يد عبد السلام المسدي وحمادي سمور وفي الشام منذر العياش وعبدرب النبي سطيف وجوزيف ميشل وفي مصر بعد منتصف القرن التاسع عشر برزت ايضاً على يد شكري عياد ومحمد عبد المطلب وسعد مصلوح اما المدرسة الثانية فهي نقاد الشعرية ولها اقطابها مثل ادونيس وعز الدين اسماعيل وجابر عصفور وسعيد يقطين وسيزا قاسم وعبد الله الغزاوي ومن هنا فان الاسهام العربي في الحركة النقدية قائم بشكل واضح وان كان يحتاج لان يبلور في جهد واحد ليتم بناؤه على اساس قوي. وعقب الدكتور زغلول سلام استاذ الادب والنقد بجامعة القاهرة قائلاً اننا لم نبدع حديثاً نظرية نقدية عربية ولكننا تابعون لاوروبا على الرغم من وجود نظرية عربية نقدية قديمة واعترضت احدى الكاتبات من المغرب على قول الدكتور صلاح فضل بان النظرية ليس لها توجه ايديولوجي قائلاً ان الكلاسيكية ذات توجه ايديولوجي والبنيوية ذات توجه اشتراكي والان التفكيكية تعبر عن العولمة. ومن جانبه اعترض الدكتور مدحت الجيار استاذ الادب بجامعة الزقازيق على اعتبار اسهام ادوارد سعيد ومصطفى صفوان وايهاب حسن من النقد العربي لانهم كتبوا بلغات اجنبية عن ابداع اجنبي برؤية اجنبية. وانتقد الدكتور الجيار تجاهل الدكتور صلاح فضل لجهود كبيرة لاساتذة في الادب مثل كتب الدكتور عبد العزيز حمودة والدكتور صلاح رزق وغيرهم. واشارت الكاتبة الصحفية سلوى بكر الى ان الطابع الاستبدادي الذي يعيشه العالم العربي يحجب أي جهد نقدي وان مناخنا الثقافي العربي لا يشجع على الابداع بالقدر الكافي وهذا الرأي ايده جميع الحاضرين من الادباء والنقاد.