الموشح احد الفنون الشعرية الاندلسية الراقية والتي ارتبطت بالموسيقى والغناء، واصبحت جنساً شعرياً مستقلا بذاته ظهر في اواخر القرن الثالث الهجري.. التاسع الميلادي، الا ان هذا الفن كما انه قوبل بالترحيب الشعبي والرسمي.. الا انه ووجه بتيار رافض له شكله المحافظون من الصفوة بحجة انه جريمة في حق اللغة والدين وذلك لانه كان يتناول بالعامية ويختلف مع قواعد الخليل. وهناك من يرى ان هذا الفن تطور عن انماط شعرية شرقية في محاولة منه لنسبه الى الشرق. لكن المهم هنا.. ما هو هذا الموشح ولماذا سمي هكذا؟ وما الفرق بينه وبين الابتهال الديني؟ وكيف تطور؟ وهل اثر هذا الفن على الشعر العربي؟ يقول الدكتور عاطف عبد الحميد الاستاذ بكلية الموسيقى العربية الموشح في كتابه "قواعد وتذوق الموسيقى العربية" بانه فن من فنون العرب في مجال النظم يرجع عهده الى اكثر من الف سنة بعد ان فتح العرب الاندلس عام 93 ه وينظم الموشح بالشعر، ثم بدأ يدخل فيه بعض الالفاظ العامية ولا يرتبط بميزان شعري واحد، مما يكسبه نوعاً من التلوين، ويصاغ في ايقاع موسيقي خاص مثل ايقاع "دارج" وايقاع "المدور" وايقاع "الدور الهندي" وايقاع سماع ثقيل. ويشير الدكتور عاطف عبد الحميد الى ان اول من نظم الموشح في الاندلس هو مقدم بن معافي القبري (225/ 229 ه) في اواخر القرن الثالث الهجري والتاسع الميلادي، كما ان اول من نظم الموشحات في مصر ابن سناء الملك (550/608م). ويضيف الدكتور جودة الركابي في تحقيقه لكتاب "دار الطراز" لابن سناء الملك ان هذا الشاعر الاندلسي (القبري) هو اول من كتب الموشح وقد عاش في نهاية القرن الثالث الهجري (القرن التاسع الميلادي) الا انه يصف المحاولات التي قام بها بأنها لم تكن محاولات نهائية، فهناك الشاعر عبادة بن ماء السماء المتوفى سنة 421 ه/ 1030م فقد اصبح الموشح فناً قائماً بذاته له اسسه وقواعده وله اثره وجماله وشعراؤه. ويضيف الدكتور الركابي ان الموشح ابتداء من القرن الرابع الهجري اخذ يزدهر ويسمو في سماء الاندلس، فظهر شعراء وشاحون عبقريون ينظمون له القصائد الممتعة كالاعمى التطيلي وابن بقي وغيرهما. وقد عجز كثير من المتأخرين عن تقليد هذه الموشحات وبلوغ ذروة جمالها حتى بقيت الى اليوم مثالاً يحتذى ولم يتردد ابن سناء الملك عن الاعتراف بقصوره عن مجاراة الاندلسيين في هذا الفن. ويضيف الدكتور الركابي بقوله ان جميع هؤلاء الوشاحين الاندلسيين لم يبنوا لنا بصورة واضحة قواعد الموشح، وان كنا نرى هنا وهناك في كتب الشعر والتراجم التي تتحدث عن الاندلسيين كالذخيرة مثلاً بعض الاشارات الى اصول هذا الفن. وعلى هذا فليس العجز هو الذي حدا بالعرب الى ان يحجموا عن ايجاد عروض مقنن للموشح كعروض الشعر العربي التقليدي، بل وجدوا ذلك يتنافى مع روح هذا الفن. ويرى الدكتور الركابي ان فن الموشح قد فتح امام الشعر العربي آفاقاً جديدة وحرره من قيود التقليدية ولهذا يلاقي اليوم من النقاد والشعراء اهتماماً خاصاً. ويشير الدكتور سليمان العطار استاذ الادب الاندلسي بكلية الاداب جامعة القاهرة في تقديمه لكتاب "دار الطراز في عمل الموشحات" لابن سناء الملك الى ان فن الموشحات قوبل بترحيب شديد على المستوى الشعبي والرسمي وكان جزءاً منه الترحيب العربي الاسلامي في الاندلس بالغناء الشعبي والاحتفالات الكرنفالية والاعياد ذات الشعائر الاحتفالية التي قد تعود الى العصر الروماني. ولكن هذا الفن ووجه بتيار مضاد من المحافظين من الصفوة، ولعل ذلك كان بسبب ان الموشحة كانت تكتب بنفس العامية التي تردد بها شفاهة الاغاني الشعبية لانها ظلت اكثر من قرن من الزمان ملحونة كلها فكان هذا التيار يرى ان الكتابة بالعامية خطر على اللغة العربية بل وعلى الدين نفسه كما ان عامية الموشحة كانت مخالفة لاوزان الخليل فاعتبروها جريمة ضد اللغة والدين. ثم تطورت الموشحة وتعددت مقطوعاتها وانتقلت من العامية الى الفصحى مبقية علاقتها بالعامية في قفلها الاخير الذي اطلقوا عليه "الخرجة". ويشير الدكتور سليمان العطار الى ان تسمية "الوشاح" جاء على المدلول الاصطلاحي ل "الموشح" ففي الوشاح - وهو شريط عريض يرصع باللآلئ والجواهر تتعدد فيه الزركشة والاوسمة - خيطان منظومان من لؤلؤ وجواهر يعطف احدهما على الاخر ويخالف بينهما في تركيبها المعقد المتعدد العناصر والالوان ذات البهاء والدواء، وفي الموشح الشعري مجموعتان من "الاقفال" و"الاغصان" تتكون كلتاهما من اجزاء وشطور على نسق معين، وهما متعاقبتان. ويرى الدكتور حامد ابو احمد استاذ الادب والنقد بجامعة الازهر ان الموشح يعد ثورة في مجال الشعر مشيراً الى ان شعراء الحداثة في الشعر العربي المعاصر يعتبرونه بداية للتحول الكبير في شكل الشعر وظهور الشعر الحر في الخمسينيات. كما ان للموشح دورا كبيرا في اوروبا وذلك لتأثيره على الشعر الغنائي الاوروبي فهناك نظريات قوية في اوروبا تقول ان الموشحات والازجال الاندلسية هي اساس الشعر الغنائي الاوروبي فالشعر الغنائي الاوروبي عندما بدأ يظهر في القرن الثامن عشر ظهر بتأثير من الموشحات والازجال الاندلسية وهذه النظرية هي اقرب النظريات الى الحقيقة الان في اوروبا. ويشير الدكتور حامد ابو احمد الى ان البعض يرجع الموشحات الى المشرق من خلال بعض المقطوعات التي وجدت في المشرق لكنه يرى انها حالات فردية قليلة جداً ويؤكد ان حقيقة ظهور الموشحات في الاندلس على يد مقدم ابن معافي القبري من قبره في الاندلس حيث بدأت الموشحات تأخذ دورها وظهر عدد كبير من الموشحين منهم ابن زهر الطيب وغيره فأصبحت الموشحات نموذجاً قائماً في الشعر العربي وله قواعده واصوله. حيث انتقلت الى المشرق العربي وارتبطت بالتواشيح الدينية حيث انتقلت من التواشيح الادبية الى التواشيح الدينية والتي استمرت حتى الان. ويوضح الدكتور حامد ابو احمد ان هناك فرقا واضحا بين الابتهالات الدينية والتواشيح في ان الابتهالات الدينية ممكن ان تتم بأي صيغة نثرية لكن التواشيح فن يقوم على ابيات شعرية موقعة توقيعا معينا على طريقة فن التوشيح الشعري. ويرى الدكتور حامد ابو احمد ان الموشحات لم تختف لكنها قلت وذلك لانها تعتمد على ظهور الوشاح الجيد "كاتب الموشحة" وفي نفس الوقت لاختفاء المؤدي الجيد الذي يستطيع ان يؤدي هذا الفن بصوت قوي له خصائص مميزة مثل المرحوم الشيخ سيد النقشبندي الذي استطاع ان يجذب بصوته الجمهور وذلك لانه ايضاً دارس لفن التوشيح.