براعة القرآن الكريم غير منتهية واعجازه متجدد وفي كل عصر تفتح لنا آياته آفاقا واسعة من الاكتشافات العلمية وبحورا زاخرة من العلوم والمعارف المختلفة التي تنطق وتدل على وحدانية الخالق وقدرته سبحانه وان هذا القرآن الكريم ليس بكلام البشر. القرآن عربي نزل القرآن الكريم في ارض العرب بلغتهم، وهم لا يعلمون بالحقائق العلمية الحديثة من دوران الارض وكرويتها فكانت الالفاظ القرآنية لديها القابلية لأن يأخذها المسلم بذهنيته تلك ويسلم بها روحيا وقتها مؤمنا بصدق دلالتها ولكن هذه الآيات الكريمة تظل محل تأمل وتفكر على مر العصور ظاهرا وتأويلا حتى يومنا الحاضر والى قيام الساعة فيكشف لنا العلم ما نطق به القرآن الكريم. وهنا نعرض بعض الامثلة التي نوردها على سبيل المثال لنتناول بعض جوانب الاعجاز اللفظي في القرآن الكريم. مر السحاب يقول الله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شيء انه خبير بما تفعلون) بالتأمل في هذه الآية نلاحظ وجه شبه بين (مر السحاب) في السماء و(الجبال) على سطح الارض ولتقريب المعنى يجب ان نعرف اولا ان هذه الالفاظ تراعي امكانيات عقل الانسان وقت نزول القرآن حيث لا توجد اقمار صناعية او مركبات فضائية تثبت كروية الارض او دورانها وحركتها حول الشمس ولذلك لم يقل الله سبحانه وتعالى (فترى الارض) لان الانسان لم ير انذاك الارض من خارج محيطها اي من الفضاء ولو كان رآها لما كانت الآية بهذا السياق ولم ترد بهذا اللفظ ولهذا بدأ سبحانه الآية بالقرينة المناسبة لامكانية عقل الانسان وقتها وهي الجبال فقال عز وجل (فترى الجبال) وبهذا الشيء الممكن ستأخذ الآية الكريمة القارىء للحقيقة العلمية الحديثة من خلال الربط بين (الجبال) و(السحاب) فالجبال ثابتة في الارض فكيف نفهم اذا (تمر) وهي ثابتة؟ لا سبيل لفهم ذلك الا اذا سلمنا بان الشيء الذي ثبتت عليه الجبال متحرك فيحرك معه ما ثبت عليه ولان هذه الحركة لا يمكن للانسان ان يلحظها فقد جاء اللفظ القرآني موافقا لذهنية المرء (تحسبها) حيث يحسب الانسان ما يلحظه ويراه وليس في حسبانه حركة الارض (فترى الجبال تحسبها جامدة) وهذه حقيقة متوافقة وقتها مع قدرة العقل البشري وفيها ايضا الحقيقة العلمية (وهي تمر مر السحاب) التي ادخرها القرآن لعصرنا الحديث والتي تقف عندها امكانية المسلم في العصور الوسطى وهذا ما يبين لنا تفسير بعض العلماء المسلمين في ذلك الوقت لهذه الآية حيث حملوها على انها من علامات يوم القيامة وذلك لعدم استطاعتهم فهم معنى كلمة (تمر) للجبال في حين ان الجبال يوم القيامة ينسفها الله عز وجل نسفا. الشبه بين مرور السحاب ومرور الجبال نعود الان للشبه الذي يوضح المعنى بين مرور السحاب ومرور الجبال ونأخذ هنا مقتطفا من كلام فخر الدين الرازي في تفسير هذه الآية اذ يقول: (يحسب الناس ان الجبال جامدة فلأن الاجسام الكبار اذا تحركت حركة سريعة على نهج واحد في السمت والكيفية ظن الناظر اليها انها واقفة، ولكنها مثل السحاب محمولة على الارض) فكما ان السحاب محمول على الرياح لا يتحرك حركة ذاتية بل حركة مكتسبة فالارض كذلك هي المتحركة وتحرك ما عليها اي الجبال التي تقابل السحاب في الآية والارض تقابل الرياح في المقارنة وهذا يعني دوران الارض الذي اوصلتنا له الآية الكريمة من خلال الفاظها الدقيقة. سلخ الليل من النهار ومن الامثلة كذلك على الاعجاز اللفظي في القرآن قوله تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) بالتأمل في لفظة (نسلخ) نجد ان السلخ: (يعني فصل الجلد عن اللحم) لذا سيكون حديثنا عن المكان الذي يحدث فيه الليل وكذلك النهار فقد بدأت الآية بقوله عز وجل (وآية لهم الليل) فالليل اذا هو الاصل للكون والارض كوكب مظلم اساسا ولفظ (نسلخ) تناسب تماما كون اشعة الشمس لا تلامس الا السطح الخارجي للارض فعندما تتحرك مساحات من الظلام لتواجه اشعة الشمس يصورها القرآن بالانسلاخ الذي هو انتقال الارض من اماكن ظلام الليل الى النهار وهذا يعني ايضا حركة الارض ودورانها فسبحان الذي يقول: (كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب). سعيد ابو حسين