للتحول من النقيض الى النقيض ثنائية بكائية يرثى لصاحبها.. فالمتحول الى النقيض يعيش هاجسا انكفائيا يجعله حبيس ماضيه فيسعى بأكثر الوسائل تطرفا للتنصل والبراءة من ذلك الماضي, يصير شرسا في منافحته ومحاولاته الانسلاخية فينتهز ما يتاح وما لا يتاح لاثبات كينونته الجديدة ففي عالمنا الثالث نجد من تحول من شيوعي بذل الرخيص والغالي في مناصرة فكره الى رأسمالي.. غربي حتى النخاع. مستميت في التشبه لكي لا يرى الناس صورة الأمس فيه وشخصية اليوم صورة نمطية اخرى فهما شخصيتان في جسد واحد, كلتا الشخصيتين تدعيان الاصلاح والخيرية وحب الوسطية والتغني بها! الشخصية الاولى: عاشت ردحا من الزمن وهي ترفل في ثوب الغلاة التكفيري, فأستحلت دماء الابرياء وكفرت كل من يخالفها ويخرج عن دائرتها حتى وان شهد له بالصلاح والتقوى! الشخصية الاولى خلعت الجلباب التكفيري واتجهت لاقرب مشفى تبحث عن مبضع ماهر يستطيع اخراجها من هذه المحنة التي اوقعت نفسها بها بعد تعطل نعمة العقل التي وهبها اياها المولى سبحانه وتعالى.. وبعد عدة عمليات ترقيع وتحسين وتغريب للشخصية الاولى والاقفال عليها (بالضبة والمفتاح) غادرت وسط اودية سحيقة لا قرار لها وطويت معها صفحة بها ندب سوداء! بعد ايام قليلة بان الجسد نفسه، ولكن بشخصية مغايرة في التوجه شبيه في الأسلوب.. جاءت الشخصية الجديدة لتنتقم من شخصيتها القديمة فأنتهجت ذات التطرف وركلت الوسطية التي كانت تدعي بها في وقت فارط أنها وجهتها القادمة!! كلما اوهمت نفسها بانها تتقدم خطوة واحدة نحو الاعتدال, تجد نفسها تعود القهقري كثيرا, وكأن شيئا لم يتغير! الفكر مازال معتما ومشوها وان اختلف التوجه, فبعد ان كان يميل ميلا عظيما لشريحة (لقد هلك الناس جميعا) اصبح يدندن مع جوقة (ما لله لله وما لقيصر لقيصر) ترتعد فرائصه وتنتفخ اوداجه ويصرصر قلمه لمجرد رؤية صهاينة مقتولين. في حين يتوارى قلمه عن الانظار حين يمزق شيخ مقعد وطفلة صغيرة من ابناء المسلمين.. يطالب مجددا بضرورة تعديل بعض المناهج الدينية لأنها تثير الحماس وسط الناشئة على حد قوله, مع المطالبة وبالحاح شديد على ضرورة منع مدرسي المواد الاخرى من التطرق للمسائل الدينية يعني لا يحق لمدرس الفيزياء مثلا حين يتحدث عن جاذبية انشاتين, ان يستدل بآية قرآنية تحدثت عن هذه الظاهرة قبل الخبير انشتاين بخمسة عشر قرنا. الآن هل خرجنا بنتيجة واحدة هي ان الشخصيتين تسكنان في خندق واحد وان اختلف توجههما؟! مجتمع بحاجة لشخصية سدد وقارب وشخصية لا افراط ولا تفريط وبمعنى اشمل واوضح نحن بحاجة لتدبر الطريقة المثلى التي سلكها السلف واوصلوها لنا بعد ان وعوها وفهموها من معلم البشرية وسيدها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.