الإسلام دين عظيم في قوته، يؤثر في العقول فيزينها ويبدل أوضاع النفوس، ويقوم أعوجاجها، تهتدي بنوره الصدور (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) به الأمن والأمان والرضا والاطمئنان (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فمن يتفكر في آلاء الله ويتأمل تشريعاته بعين العقل والبصيرة يكشف أسراراً لا تتناهى وعجائب لا تحد، تدعو الانسان إلى التقرب إلى الله والاحساس بالعبودية الخالصة وإلى اتباع المنهج السليم والصراط المستقيم (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه). وما الصوم إلا فريضة من فرائضه، فهو حصن حصين للنفس وتربية وطاعة ونظام وانضباط وحسن تقدير وغذاء للنفس، ومتاع للقلب وحمية للبدن ففرائض الاسلام تصحح المساروتربي في النفس فضائل الأعمال وما يتفق وفضائل التقوى فتجله وتجعل منه ملاكاً في صورة انسان تربي فيه فضيلة الصدق والوفاء بالعهد والوعد، والاخلاص في العلم والامانة، والصبر على الشدائد، والوقوف للمحن بثبات لا يلين وبعزم لا يفل. وفريضة الصيام تبعث في الانسان العطف والرحمة وتغرس فيه الشفقة فيرق للضعيف ويحنو على المسكين ويتفطر للمكلوم ويواسي البؤساء ويدرك أحوال الفقراء إذا ذاق ألم الجوع. قيل ليوسف عليه السلام وكان كثير الجوع لم تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ فقال! اني أخاف أن أشبع فأنسى الجائع" وفي الصيام يدع الانسان شهواته وملذاته المباحة الميسرة له امتثالا لأمر ربه، واتباعا لهدى نبيه صلى الله عليه وسلم فيبدأ ينتصر لنفسه من غائلة شهواته المحرمة لأن روحه سمت وتهذبت تحت مظلة الخلق الإسلامي وفرائضه. وفي رمضان شهر الاحسان والمبرات مناخ عظيم لهجر كثير من العادات السيئة والاخلاق الذميمة التي استولت على سلوك بعض الناس فأصبحت عادة متأصلة فيهم فيأتي رمضان ويربي الارادة في الانسان فيتقوى على كبح جماح الهوى والنفس والمضار والمحرمات ليكون الانسان انسانا كاملا عظيما يكون الله في قلبه وشهواته مهزومة.. مهزومة بإذن الله. فالصوم مدرسة كبرى وحقل تعليم، تذوب فيه الأحقاد وتحترق فيه العداوات، وتزكو فيه النفوس وتصفو فيه القلوب مما ران عليها فهو غسل كامل لأجهزة الانسان الداخلية والخارجية جميعا فتنمو غراس المحبة وتتوحد المشاعر وتتألف الأمة وتعتصم بحبل الله جميعا. والصوم جنة من كل تقيصة ووقاية من كل رذيلة فمتى ادرك الناس اسراره وعرفوا فضله كان لهم السبق في كل خير... اتحاد في القلوب ووحدة في الكلمة، والعزة والنصرة والرقي والتقدم.. لأن هذه الشعيرة إذا سكنت واستقرت في أعماق الانسان أصبح يتصرف بمقتضى ايمانه وتوجهه الصحيح فكان عضواً نشطاً في مجتمعه لأنه عرف ربه وأذعن له بالطاعة وانقاد له بالتوحيد والشكر. بهذه النوعية من البشر تبنى الأوطان وتعمر الديار وتتحقق السعادة فحقاً ان الصوم أساس كل خير وينبوع كل فضيلة.