تصور أنك تدفع من زكاة مالك لرجل كافر! او تتصدق على عاص! اتعجب من ذلك؟ ام تتردد؟ أم تنكر فعل ذلك؟ هل تستجمع ما آتاك الله من قدرة علمية وجسدية لدفع الأمر؟ وقبل ان تجيب أقول لك: لا تستعجل.. فسأبين لك الأمر، قال تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)، فلقد قرر رب السموات والأرض اللطيف الخبير أن يكون من ضمن من تدفع لهم الزكاة وأهلها أولئك الذين وصفهم بقوله تعالى (المؤلفة قلوبهم) ومن هؤلاء المؤلفة قلوبهم قوم كفار يطمع في إيمانهم أو إيمان أتباعهم فيعطون من الزكاة ترغيبا لهم في الإسلام وتحبيبا لهم فيه وهؤلاء ليسوا بمسلمين ولما يدخلوا في الإسلام، وإنما جاز أن ندفع لهم من الزكاة ما يرقق قلوبهم ويجعلهم في نعمة من هذا الدين تعينهم على الدخول فيه أو تحببهم له وتدفع شرورهم عنه وعن المسلمين، وربما نستهدف ما سيقومون به من وراء ذلك من دعاية تحقق مصلحة للإسلام والمسلمين. إنها الرحمة بالناس تلك هي رسالة هذا الدين (وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين) وسلوك الطرق التي تعين على ايصال هذه الرحمة للعالمين أمر مشروع بالوسائل المشروعة، فهل نعي هذا الدرس الهام من دروس هذه الرحمة؟ وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (قال رجل: لاتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فاصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال اللهم لك الحمد على زانية لا تصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فاصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال اللهم لك الحمد على غني لاتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فاصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على سارق فقال اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق فأتى فقيل له اما صدقتك فقد بلغت اما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ولعل الغني يعتبر فينفق مما اعطاه الله ولعل السارق يستعف بها عن سرقته) فرسول الهدى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يبين لنا كيف ان هذا الرجل قد ألزم نفسه بأن يدفع صدقة فتغشى الستر لذلك لكي لاترى شماله ما تدفع يمينه وما اعظم اثر صدقة السر - كما سنرى - فلما وضع الصدقة في تلك اليد التي لم يعنه لمن هي ما دامت قد خرجت منه لله لا رياء ولا سمعة اصبح والناس يتحدثون انه قد تصدق على زانية فلم يثنه ذلك عن ان حمد الله على المنة وفي ذات الوقت لما وجد ان صدقته التي ارادها لمن يستحقها ذهبت في طريق آخر لم يتوان ان يلزم نفسه بتعويض ذلك فالتزم بالتصدق مرة ثانية وهكذا لما دفعها بالليل اصبح والناس يتحدثون ان قد تصدق على غني فحمد الله وكرر التصدق ثالثة فلما اصبح والناس يتحدثون ان قد تصدق على سارق فحمد الله وقد وجد ان المسألة تكررت ثلاثا حتى جاءه من الملائكة من يخبره بقبول صدقته وانها عند الله بمكان وان نيته الصالحة قد سبقت فكان لصدقته اثر على كل من وصلته من تغيير حال من وضعها بيده. وهكذا نجد انفسنا امام هذين المثالين مثال ان الزكاة استهدفت تغيير حال الكافر الى الاسلام وترغيبه به وكف آذاه عنه واستخدامه للدعاية له ومثال ان الصدقة تستهدف فيما تستهدفه تغيير حال العاصي الى الطاعة وان لم يكن في ظن صاحبها ذلك فان الله يهب على النية الصادقة ما يهبه من الخير والبركة فهل نكون مع هذين المثالين اكثر عزما على فعل الخير اذ ان كل من نوى خيرا وسعى بالوصول اليه كتب الله له ذلك الخير والله ذو الفضل العظيم (وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا واعظم اجرا). مدير فرع وزارة الشؤون الاسلامية بالمنطقة الشرقية