ان الشكل الذي يباد به الشعب الفلسطيني يذكرنا بالعصور الوسطى او بعصر الظلام ، الذي خيم على العالم عندما كان لا صوت يعلو على صوت الظلم والاستبداد ، ولكن يبدو ان زمننا هذا هو الاسوأ بكل المقاييس والسبب اننا وللأسف نشهد ما نشهده اليوم بالرغم من وجود ما يسمى بشرعة حقوق الانسان ومحكمة العدل الدولية، والامم المتحدة وبالرغم من القضاء على عصرالرقيق والاقطاعيات الكبرى ، لكن على ما يبدو ان كل تلك الانجازات لا تعدو كونها وهما كاذبا اقنع الكون بأن الجميع قد تساوى في الحقوق والواجبات ولكن هل هذا هو واقع الامر؟ هل استطاعت الدماء التي ُاهدرت في سبيل احقاق الحق وتكريس الحريات ان ُتفعِّل تلك الشعارات في حياة الشعوب المضطهدة؟َ بالطبع لا والسبب ان الدول التي اعتبرت نفسها راعية للحريات وللحقوق هي نفسها المنتهكة الكبرى لها فعندما تعطي امريكا الحق لإسرائيل بذبح الفلسطينيين وتحجب عن المذبوح حق الدفاع عن نفسه ، هي بذلك منتهكة لكل الحقوق والحريات التي طالما نادت بها بل وقامت بإذلال الكثير من الدول التي لم تراعها في التعامل مع شعوبها! من هذه المفارقة نستطيع ان نتعرف على الوجه الحقيقي لتلك القوة العظمى التي لا تحركها الا مصالحها الشخصية تلك التي تنطق بلغة شاذة ومريضة وبالرغم من ذلك على الكون ان يتبناها ويتحدث بها حتى لو كان فهمها مستحيلا! إذ من منا يستطيع ان يفهم كيف استطاعت امريكا ان ترفع الفيتو في وجه مشروع (طلب) يدعو اسرائيل الى (وقف العنف المبالغ به ضد الشعب الفلسطيني) وذلك بعد كل تلك المذابح التي ارتكبت في مخيم جباليا في غزة وما زالت ترتكب داخل الاراضي الفلسطينية في حق الاطفال والنساء والشيوخ العزل؟ وكيف يمكن لجيش مدجج بأحدث الاسلحة كالجيش الاسرائيلي ان يكون (ضحية) لإرهاب شعب اعزل كما يشار الى ذلك دائما في تصريحات الكبار المنتفعين؟ ان هذا يمكن في حالة واحدة فقط وهي عندما يتم تضخيم الهدف حتى لو كان ضعيفا وتحويله الى وحش كاسر على الأقل في نظر مواطنيهم ،لأن القوى الحليفة ، تعي تماما حقيقة هذه اللعبة التي تسعى في الدرجة الاولى الى اثارة حالة من الرعب من تلك المخلوقات بين صفوف الرأي العام ،ولكن لماذا ؟ لكى ُترتكب المجازر بحرية من دون اى عوائق قد تفرضها شعاراتهم حول حقوق الانسان وغيرها من العناوين البراقة التي أصبحت كالمشنقة الملتفة حول مصالحهم ،وايضا ليلعبوا دور البطولة حتى لو كانت من ورق, لهذا كان لا بد لهم من تسمية الاشياء بغير اسمائها فوقع الاختيار على تلك العناوين البريئة (كالردود الاستباقية او الانتقامية) كما تفعل اسرائيل لابادة الشعب الفلسطيني او كما تفعل أمريكا تحت بند الذرائع للذبح باسم محاربة الإرهاب كذريعة (الزرقاوي) في العراق وذريعة (ابن لادن) في افغانستان وذلك لإضفاء الشرعية والبطولة على عمليات القتل والإبادة لشعوب جريمتها الكبرى انها صدقت الشعارات الورقية لدول عظمى وتوهمت ان الخلاص لن يكون الا على أيديها . لقد كتب مونيتور في يوليو من عام 1986 في الايكونوميست اللندنية وهو يمجد أعمال ريغان الشجاعة! قائلا:(سنتتبع املاءاتكم عندما تلفقون سجلا من الارهاب الذي أرعب العالم ، وعندما تنفذون اعمالا إرهابية كبيرة لمعاقبة هذا العمل الداعي الى السخط ،وعندما تعلنون انه نتيجة لبطولتكم فقد اخضع المجرم) من هو المجرم الحقيقي؟ سؤال للأسف لم يعد مطروحا على الساحة العالمية اليوم وذلك بعد ان تم اختيار المتهم الضحية ، وبعد تطويع كل الجهود لتكريسه كعنصر اساسي في عالم الإرهاب والإجرام ، اذ بالرغم من ان الصهاينة هم الذين قاموا بغزو فلسطين وذبحوا الآلاف وهجروا مئات الآلاف من اراضيهم وما زالوا يبطشون وبمنتهى الوحشية ، الا ان الفلسطينيين كما يعتبر بعض المسؤولين ،هم المذنبون ، لأنهم ما زالوا يدافعون عن حقوقهم وعما تبقى من اراضيهم ، ولأنهم آمنوا يوما ما بأن الطرف الآخر يسعى فعليا للسلام ، وان الدول التي تنادي بالديمقراطية والحرية هي حكما حريصة على تفعيلها داخل الكيانات المحرومة والمضطهدة، هم مذنبون لأنهم يواجهون يوميا جيشا مدججا بأحدث العتاد بحجر وبصدور عارية الا من الإيمان ، ولكن يبدو ان ذنبهم الأكبر والحقيقي ،يتجسد في توهمهم بأن آلامهم ما زالت تمس عصب الجسد العربي الذي يفترض منه التنفس برئة واحدة وان يحيا بقلب واحد . من هو المجرم الحقيقي ؟ سؤال سيظل منفيا مادام الغرب بمختلف أقطابه يتمتع بذاكرة انتقائية تعزز ما يناسب مصالحه وتمحي ما يتعارض معها ، لقد مسح الغرب من ذاكرته كل ما يدين اسرائيل وعزز كل الصور التي يمكن تأويلها لتدين الفلسطينيين والعرب والمسلمين ، لقد فَعَّلَ كل هذا ونسى ان سجل اسرائيل مهما ُعتم عليه فهو حافل ، واذا تناسى الغرب الذي ينسب الينا كل افعال الشر فنحن لن ننسى ان اول عملية اختطاف لطائرة مدنية في الشرق الاوسط قامت بها اسرائيل في عام 1954 ، وبهذ العمل سجلت اسرائيل فعلا لا سابقة له في تاريخ الممارسات الدولية ، وذلك حسب تأكيد الخارجية الأمريكية . وان تناسى الغرب فنحن لن ننسى ان ذبح شعب بأكمله لوضع اليد على ارضه وما ترتب على ذلك من خروقات اخلاقية وانسانية في زمن يضج بالمنظمات وبالمؤسسات الدولية المتخمة بالشعارات الإنسانية البراقة هو ايضا امر لا سابقة له ، ولكن الذي لم ينسه الغرب ونسيناه نحن تماما هو ان المطالب لا تنال بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.