مرة أخرى تفاجئ الأكاديمية السويدية العالم بإعلان فوز أحد الأسماء شبه المغمورة والبعيدة عن الترشيح بجائزة نوبل العريقة للآداب. هنالك قائمة طويلة من الأسماء الكبيرة المرشحة بقوة منذ سنين لنيل الجائزة من أمثال الروائي الأمريكي فيليب روث والبيروفي ماريو بارجاس يوسا والتشيكي /الفرنسي ميلان كونديرا وسواهم من أدباء العالم بما في ذلك الشاعران العربيان الكبيران أدونيس ومحمود درويش. لم يفز أي من هؤلاء بالجائزة كما لم تفز بها من قبل أسماء أخرى كبيرة مثل الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخس والروائي البريطاني جراهام جرين الذي لا يزال محبوه حانقين على الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة لتجاهلها له في حياته. هذه المرة كانت الفائزة امرأة وهي العاشرة عبر تاريخ الجائزة الطويل. اسمها ، الذي صار علينا أن نحفظه جيدا ، هو ألفريدا يلينك وهي روائية وكاتبة مسرح وشاعرة نمساوية مثيرة للجدل بكتاباتها ومواقفها السياسية على حد سواء. لقد انتقدت يلينك وطالبت بفضح تورط بلادها النمسا مع النازية وطاولت اتهاماتها معظم السياسيين النمساويين بما في ذلك كورت فالدهايم ، الأمين العام السابق للأمم المتحدة لرفضهم الاعتراف بماضي بلادهم النازي مما تسبب في نبذها واعتبارها شخصية مكروهة إلى حد بعيد. لقد عرف عنها مناصبتها العداء على وجه الخصوص ليورغ هايدر السياسي اليميني المتطرف الذي أصبح قائدا وطنيا لحزب الحرية اليميني المتطرف قبل أن يعود إلى كارنيثيا كحاكم لها. ففي عام 2000 هددت بمغادرة النمسا وقامت بمنع عرض مسرحياتها في البلاد ما دام هايدر يتقاسم السلطة مع حزب الشعب المحافظ . وكنتيجة لذلك شن عليها هايدر هجوما لاذعا ووصف أعمالها بأنها "فن منحط". لقد كان ذلك الحظر الذاتي لأعمالها بمثابة الرد اللاذع على السلطات النمساوية التي قامت قبل ذلك بعامين بمنع عرض أعمالها بسبب مهاجمتها للحقبة النازية. فعلى الرغم من ترحيب عدد كبير من النمساويين بضم بلدهم إلى ألمانيا النازية فقد نجحوا فيما بعد في تصوير أنفسهم كأولى الضحايا الأجانب للنازية. بعد إعلان فوزها بالجائزة المرموقة لم تخف يلينك ابتهاجها وإحساسها بالمفاجأة غير أنها قالت إنها لن تذهب إلى ستوكهولم لتستلم الجائزة لأنها مصابة بالرهاب الاجتماعي إذ أنها كما تقول لا تستطيع أن تقف أمام أعداد هائلة من الناس وتلقي أمامهم خطابا كما جرت العادة مع كل من يفوز بهذه الجائزة. عاشت يلينك المولودة عام 1946 في كنف ام قوية الشخصية والمهيمنة وعانت أزمات نفسية عديدة وقضت عاما كاملا في عزلة تامة في منزل والديها سنة 1968 إثر أزمة نفسية حادة ، وفي العام الذي تلاه توفي والدها في إحدى مصحات الأمراض النفسية مما ترك أثرا سيئا عليها. رسمت لها والدتها مستقبلها سلفا وألزمتها بدراسة الموسيقى دراسة أكاديمية متخصصة ولكن الفتاة يلينك وجدت طريقتها الخاصة في التمرد عبر الكتابة والكلمات وبدأت في نشر أعمالها الأولى في نهاية الستينيات وانخرطت في الحركات الطلابية حينئذ وانضمت إلى الحزب الشيوعي لمدة عامين. في عام 1975 نشرت روايتها الأولى ونالت من خلالها استحسان قرائها الألمان. واتبعتها برواية أخرى بعنوان (أزمنة رائعة) عام 1980. أما في عام 1983 فقد نشرت روايتها الأكثر شهرة والأكثر إثارة للجدل (معلمة البيانو) والتي تم اقتباسها في فيلم سينمائي نال ثلاث جوائز في مهرجان كان عام 2001. نالت يلينك العديد من الجوائز في ألمانيا حيث تملك منزلا آخر إضافة إلى المنزل الذي تقيم فيه مع والدتها في فيينا، ولكنها لم تنل نفس التقدير في موطنها النمسا بل إنها مازالت موضع جدل كبير لإصرارها على فضح الماضي الأسود لبلادها في علاقته مع النازية كما أسلفنا. ومن الأمور التي أثارت حنق النمساويين عليها أنها أقدمت في إحدى مسرحياتها الساخرة على فضح وتعرية باولا ويسلي الممثلة المسرحية النمساوية التي تعتبر أعظم ممثلات النمسا في القرن العشرين والتي أيدت النازيين ورحبت بهم ولم يتم التعرض لها بالانتقاد أو المساءلة عقب اندحار النازيين. وعلى الرغم مما تثيره حولها وحول مواقفها السياسية وحول كتاباتها من جدل واسع ، تؤكد يلينك جدارتها بالانضمام إلى قائمة الأسماء الشجاعة من الكتاب التي تدفع الناس إلى مسائلة ذواتهم وإلى أن يكونوا صادقين مع أنفسهم. يقول بير واستبرغ ، المتحدث باسم الأكاديمية السويدية "إنها كاتبة تزعزع المعتقدات الراسخة لقرائها بغضب وعاطفة متأججة". مسرحيتها الأخيرة بامبي لاند التي عرضت عام 2003 تقدم هجوما لاذعا موجها للحرب الأخيرة على العراق. إنها تحاول دائما أن تكون إلى جانب المستضعفين حين تكتب ، كما تقول ، لأن الأدب لا يمكن أن يكون مواليا ومنحازا للأقوياء كما تؤكد هي أيضا.