الدعوات لتوطين الوظائف في المؤسسات والشركات الخاصة مازالت قائمة ومتواصلة وهي تدعو الى احلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، خاصة ان كثيرا من الوظائف يستطيع ان يؤديها ابن الوطن بكثير من الكفاءة والقدرة العملية والعلمية، والمحاولات في هذا الاتجاه اثبتت نجاحها، حيث بدا البعض ينظر للمسألة بشكل جدي، فمشر عن ساعد الجد ولجأ لوظائف كانت حتى وقت قريب قاصرة على الوافدين. وفي الوقت الذي مازالت الدعوات نحو احلال الكفاءات الوطنية في القطاع الخاص متواصلة، استطاع بعض الشباب من ابناء المملكة الغيورين ان يحققوا اهدافهم وطموحاتهم بوسائلهم الخاصة، حيث نشاهد اليوم في ساحة العمل المختلفة خاصة في الجانب المهني عددا كبيرا من الشباب وهم يؤدون واجبهم بكثير من الحماس والجهد. شباب انطلقوا الى الورش ومحلات اصلاح الكهربائيات واجهزة الحاسوب، والبعض لم يتردد في فتح محال خاصة به. مهارات عالية عبدالرحمن الغامدي تخصص في مجال هندسة الالكترونيات من احدى الكليات التقنية، عمل في مجال البترول لمدة 16 عاما واسهم منذ التسعينيات في مشاريع مختلفة حتى كون خبرات ومهارات عالية في مجال تخصصه، وهو اليوم احد المتميزين في هندسة الالكترونيات. تحدث لنا في اولى محاولاته بدعم من احد اقربائه في ان يسلك طريقا يعتمد عليه من خلال امكاناته الذاتية، يقول الغامدي: البداية كانت عن طريق الصدفة حين شاهدت شقيقي الاصغر يقيم ورشة خاصة باصلاح السيارات ونظرت الى قدراته التي وجدتها لا تقل عن أي كفاءة اجنبية في ميكانيكا السيارات والآليات، كما انني نظرت للمستقبل من ناحية كيفية تجهيز ورشة مصممة بأحد التجهيزات، لذلك اقترحت على شقيق تطوير الورشة بحيث يواكب في عمله متطلبات وحاجة الزبائن وايضا مواكبة موديلات السيارات الحديثة، فاقترحنا في بداية الامر نوعية الآلات والاجهزة التي سنحتاج اليها في تطوير عملنا وحددناها بأحدث آلات الفحص الكمبيوتري. وعن طريق الانترنت كنا نسأل ونبحث عن اكبر الشركات المتخصصة في هذا المجال، وبالتالي استطعنا الحصول على هذه الاجهزة، وهي اجهزة خاصة بنوع من السيارات ذات الموديلات المطلوبة، وبعد ذلك قمنا بتركيبها وتشغيلها وكل ذلك بجهودنا الفردية، وكل المبالغ التي دفعناها لهذه الشركات كانت عبر الاقساط المريحة. خبراء ولكن.. ويضيف الغامدي: عندما اتصلنا بكبريات الشركات المتعاملة مع اجهزة الفحص الحديثة سألونا عن امكاناتنا، وقدراتنا، فأخبرناهم أننا من ابناء المملكة ولدينا الخبرات في التعامل مع مثل هذه الاجهزة، واثبتنا لهم امكانية التعامل مع أعطال احدث السيارات المصنعة في عام 2003، بل واظهرنا لهم 21 نظاما يمكن التعامل معها، بل واصلاحها في زمن قياسي. وامام هذا الرهان أمدتنا هذه الشركات بالاجهزة الحديثة المطلوبة بعد ان تأكدوا من قدراتنا ومهاراتنا في الاجهزة الالكترونية، ولكن بعد تحقيق هذا الحلم الذي ظل امل كل الشباب، واجه شقيقي بعض المشكلات المالية بحكم توسعة عمل الورشة وهو الوحيد القائم عليها فقمت بدعمه حتى يتجاوز مشكلاته. الحلم الكبير وحول الاشكاليات والصعوبات التي تواجههم اوضح: هناك امل يراود الجميع وهو ان يتوسع مثل هذا المشروع ويصبح اقرب الى معهد التدريب، فمن جانب يعتمد فيه المواطن الشاب على نفسه وامكاناته، ومن جانب آخر يفتح المجال للشباب الواعد في ان يتعلم مهنة تساعده في تسهيل معيشته، وهذا المشروع في نظري لو تحقق لساعد الكثير من الشباب في ان يجتاز طريقا مماثلا او انه يفتح له مشروعا ولو بامكانات بسيطة حتى يشتد عوده ويتمكن من توسيعه وتجهيزه بالآلات المطلوبة. وعن نفسي اقول: انه فخر لنا ان نقوم بتعليم وتدريب من يرغب من الشباب المواطن، ولكن بشرط ان تكون هناك الرغبة الاكيدة والقدرة على التعليم، ونصيحتي للشاب الذي مازال يبحث له عن عمل او انه لم يكمل تعليمه ان يتجه نحو هذه الاعمال الحرة والمهن الشريفة التي تقيه الحاجة وتساعده على ان يعيش حرا كريما. من ناحيته يحكي خالد الدوسري تجربته في العمل الخاص، فيقول: عندما كنت صغير السن، كانت تستهويني الاعمال المهنية خاصة المجال الميكانيكي، واتذكر ان اول ما بدأت اصلاحه هو الدراجات النارية وكان عمري آنذاك 15 عاما، وبعد ذلك افتتحت مع صديق لي مكانا صغيرا بجوار البيت الذي اسكنه، وكنا نقوم معا باصلاح الدراجات والاصلاحات البسيطة في سيارات الاصدقاء وكل ذلك بدون مقابل، وانما كهواية فقط. ومن هذا الطريق اكتسبنا خبرة اصلاح السيارات الكبيرة فيما بعد. ويواصل المهندس خالد: التقيت صدفة بمهندس فلبيني كان يعمل في السابق في وكالة لاصلاح السيارات ذات التقنيات العالية، واثناء الحوار التقت الآراء على ان نشترك معا في افتتاح ورشة كبيرة لاصلاح السيارات، خاصة ان لديه خبرة كبيرة في هذا المجال، واكتسبت من خلال خبرتي السابقة فنون الاصلاح، وفعلا افتتحنا موقعا لا بأس به.وبدأنا العمل بوسائل متواضعة الى ان كبر طموحنا واصبح حلمنا ان تكون لدينا اجهزتنا الخاصة الحديثة منها والمتطورة، وبجهود فردية وبتعاون مع شقيقي، استطعت الحصول على الاجهزة المتطورة في كشف العيوب والاخطاء للسيارات، وبذلك اصبحت اقوم بكشف أي عطل حتى بدون الاعتماد على الاجهزة الالكترونية بسبب الخبرة الطويلة التي اكتسبتها، ولا اقول هذا الكلام للترويج لنفسي، ولكن اقول ذلك بشهادات كبار المهندسيين في الوكالات التجارية الدولية، ولكن في اعتقادي ان الاجهزة التي تتميز بها الورشة اصبح من المفيد تحديثها، وكل ما اسعى اليه حاليا هو تحديث وتوسيع الورشة، ولكن بصراحة بدون دعم ومساندة الجهات المعنية لا استطيع ان اقوم بذلك وحدي، كما انني اسعى الى افساح المجال للشباب المواطنين في الاستفادة من هذه الورشة والفنيين والخبراء الذين يعملون فيها لاكتساب مهارات وقدرات مهنية عالية. وأحمد الله ان شبابنا استفاد من هذه الخبرة، حيث كان البعض يأتيني بعد انتهاء دوامه ليتعلم مهنة الميكانيكا رغم انهم في وظائف جيدة إلا انهم فضلوا ايضا تعلم مهن اخرى بعيدا عن وظائف الادارة والاعمال المريحة. هواية جميلة علي المري (شاب دخل مجال الميكانيكا من اوسع الابواب ويحدثنا عن تجربته) قائلا: بدأت اتعلم مهمة الميكانيكا وانا في سن صغيرة، كانت في البداية هواية، او قل بتعبير ادق، اردت ان اجيد مهنة بعيدا عن المهن الروتينية، فوجدت ان اصلاح السيارات والقيام بالكشف عن مختلف الاعطال هواية جميلة، ثم تطورت الى ان اصبحت محترفا لها، ولكن للاسف لم اتمكن من فتح ورشة خاصة بي حيث يتطلب ذلك امكانيات مادية باهظة، خاصة اذا اراد المرء ان يفتح مكانا بمستوى رفيع من حيث الاجهزة والكفاءات الفنية. ومازلت اتطلع الى اليوم الذي اجد فيه من يقدم لي هذا الدعم سواء كان عن طريق الجهات الحكومية المعنية او عن طريق القادرين على التمويل، فالورشة التي احلم بتحقيقها يجب ان تكون مثالا او نموذجا للورش الفنية التي يعمل فيها شباب الوطن، ويقول علي: عندما حاولت ان استعين بأحد البنوك ليقدم لي الدعم الكافي لافتتاح عمل خاص بي اعتمد عليه في معيشتي، فوجئت بكثير من العراقيل وبشروط مجحفة بل البعض رفض ذلك تحت حجة ألا وظيفة لي. ومعروف ان البنوك يمكنها ان تقدم الدعم المالي اذا ارادت ذلك، ولكن السؤال هو: لماذا البنوك لا تقرض الشاب المواطن الذي يريد فتح مشروع خاص به؟! وعموما مازال لدي امل في الجهات الحكومية في ان تدعمني وتقدم لي التسهيلات المطلوبة اسوة بكثير من الشباب الطموح الذين قدمت لهم المساعدات والدعم المالي واصبحوا قادرين على الاعتناء بأنفسهم، وفي الوقت نفسه اريد ان انصح الشباب المواطن بأن يعتمد على تعلم المهن المختلفة، خاصة لمن فاته التعليم واصبح لا يمتهن أي عمل. فالمهن اليدوية لا عيب فيمن يعمل فيها سواء كان ميكانيكيا او كهربائيا او في غيرها من المهن، واتمنى ان تنتشر مثل هذه الظاهرة في كل مناطق المملكة، وان يجد الشباب الدعم الكافي لهم الدافع لهم في فتح مشاريع خاصة بهم، ومتى انتشرت مثل هذه الظاهرة الصحية فلاشك في ان مقولة: ان الشاب المواطن يشعر بالحياء والخجل من امتهان اعمال حرفية سوف تزول، بل واجد الآن ان هناك شبابا يعملون في مختلف الوظائف، الا انهم يريدون الاستفادة والتعلم، وفعلا يقتطعون الساعتين والثلاث من اوقاتهم لتعلم مهنة ميكانيكا وكهرباء السيارات. راحة العمل عبدالوهاب العسيري كهربائي سيارات، يقول عن تجربته: منذ حوالي 14 سنة وانا اعمل في هذا المجال، حيث اصبحت اعتمد عليه بشكل رئيسي في دخلي ومعيشتي، وحاليا لدي هذا المكان الذي اريد توسعته في القريب حتى تتسنى لي اضافة عدد من العاملين، واتمنى ان يكونوا من الشباب المواطن، ومهنتي هذه تعلمتها من تلقاء نفسي، حيث كنت اقوم باصلاح سياراتي في بداية الامر، ثم اصلاح سيارات الاصدقاء، وبعد ذلك بدأت في اصلاح ماكينات القوارب البسيطة الى ان اصبحت اجيد اصلاح جميع الانواع بدون استثناء. وحول مدى ارتياحه في هذا العمل، اجاب: ما العيب في ان اعمل في مهن مختلفة مثل الهندسة الميكانيكية او الكهربائية او حتى في مهنة اخرى؟ ما الضرر في ذلك؟ ولماذا يوجد شعور لدى الآخرين بأن المواطن لا يحب سوى الوظيفة المريحة ويفضلها عن اي مهنة اخرى؟ من خلال تجاربي في هذا المجال وعلاقاتي بكثير من الاصدقاء اجد ان عددا من المواطنين الشباب يعملون في هذا المجال دون حياء او خجل، والبعض فخور بأنه يعمل في مثل هذه المهن، وانا شخصيا كمواطن اتمنى ان نشاهد ابناءنا واخواننا في مختلف الاعمال الخدماتية، وليس عيبا ان نعمل، بل العيب ان ننتظر الوظيفة التي تأتينا بشروط ومقاييس وهي لا تخدم الا فئة قليلة بينما الاعمال الخدماتية تخدم اعدادا كبيرة من المواطنين. شباب سعودي يعشق العمل المهني البدلة الزرقاء أصبحت ميزة للشباب