شهادتي ووجاهتي وشهرتي ومركزي العلمي لم يشفعوا لي للأسف بأن أتحسس السعادة التي طالما وددت لو استشعرتها فيهم، أعمل واقحم نفسي في البحوث والدراسات وحضور المؤتمرات العلمية وألهو بعض الشيء ولكنني ما ان أضع رأسي على وسادتي وأختلي بعواطفي وأحاسيسي الجياشة والحانية والتي هزت كياني وملأت صدري وأرجفت فؤادي إلا وامتدت يدي كي أعانق حلمي الوردي وأضمه الى حضني بلهفة يشوبها الاشتياق أتسمع صوته فأناغيه.. أداعبه.. والاعبه بشقاوة محبوبة، واسترسل في حلمي الجميل وبرضيعي الأجمل وأصحو على صوت المنبه المزعج لأذهب للعمل ودنيا الضجيج وصخب الحياة وأضطر الى ان أئد حلمي في صدري.. هكذا قالت أم حاضنة ترى النور من وجهها بسبب حضانة اليتيم قالت: مرت 20 سنة والحلم يراودني كلما أرخى الليل سدوله ونامت الأعين وهجعت الأنفس، كنت أترقب قدومه عندغياب كل دورة شهرية اصدم بالواقع المر.. أتشوق للطفولة وللطفل وللرضاعة والحضانة.. الشعور بالأمومة يعتلي صدري ويخالج روحي المتعطشة لسماع صوت رضيعي أتشوق لمناغاته ومداعبته وملاطفته.. ولكن ماذا اعمل فالقدر كتب عليّ أن أحرم من تلك النعمة الغالية (الأمومة).. وتمر السنون ويتوهج الشوق وتتأجج اللهفة دون بارقة أمل.. إلى أن تشاء القدرة الالهية أن ألتقي باحدى الأخصائيات التربويات في احدى دور الحضانة الاجتماعية ويدور معها الحديث حول الأطفال عندهم وكيفية تربيتهم والاهتمام بهم.. وحينما عرفت ولعي الشديد بالأطفال وان القدر قد حرمني منهم وجهت لي دعوة لزيارة دار الحضانة وكأنها متعمدة في أن ازور الدار وفي نفسها حاجة لا تطيق الافصاح بها وتركتها للارادة الربانية.. وأضافت: جاء اليوم الموعود بعد أن قضيت ليلته قلقة أرقة متشوقة لرؤية أحبابي أحباب الله قبل أن أتجه لدار الحضانة قصدت السوبر ماركت فأخذت شتى الحلويات التي عهدتها محببة لدى الأطفال ويممت وجهي نحو الدار.. نحو الأمل.. نحو الحياة.. نحو الحلم. نحو الأمومة. نحو الحب والحنان. وتضيف: ما ان وطأت أقدامي الفناء الخارجي مع خفقات قلبي العاشق إلا وبذاك السرب من الأطفال الرائعين منهم من يلعب بلعبته ومنهم من يداعب صديقه والآخر يمسك بيد مربيته ويمازحها وتعتلي المكان سيمفونيتهم الرائعة بأصواتهم التي عشقتها.. لم أتمالك نفسي وزعت عليهم الحلويات وتطايروا بها وكأنهم لأول مرة يرونها. ووسط ما أنا فيه خرجت الأخصائية الاجتماعية التي دعتني للزيارة ورحبت بي فأدخلتني مكتبها بعد أن عملت لي جولة بالدار وبأقسامها وشرحت لي مهام كل قسم وبخجل يشوبه الأمل فاتحتني حينما شاهدت ولعي بالأطفال مع حرماني منهم أن أروي تعطشي للأمومة وللأطفال بأن أحتضن أحدهم وشرعت تذكرني بالآيات القرآنية والتعليمات النبوية في فضل كافل اليتيم والتودد اليه وكأنني لأول مرة أسمع تلك الآيات القرآنية والكلمات النبوية الشريفة فأومأت لها ان تمهلني فرصة اقناع زوجي بهذا الأمر وأنا فرحة سعيدة بقولها. وتتابع قائلة: مرت أيام وأنا أريد أن أفاتح زوجي بما في نفسي وعن رغبتي في أن أتكفل باحتضان طفل من دار الحضانة وكنت أتخوف من ردة فعله وهو الأديب المعروف واكتفيت في أن دعوت الله أن يسخر قلبه ويتجاوب معي. في صباح تلك الليلة التي قضيتها مع الخيالات والأحلام الوردية هاتفت الأخصائية الاجتماعية واستفسرت منها عن كيفية الاحتضان فأوضحت لي انه لا يوجد أية شروط تعجيزية وانما الوزارة دعت مرارا الى الكفالة والاحتضان وان من يريد الاحتضان ما عليه إلا أن يقدم طلبا لمكاتب الاشراف النسائي الاجتماعية ليدرسوا وضعه الاجتماعي والأخلاقي والكشف الطبي للاطمئنان على صحة الطفل وتصديق العمدة وتستلم من يختاره قلبها وتتقبله مشاعرها فطرت من الفرح وعزمت على أن أفاتح زوجي هذا المساء بعد ان دعوت الله فأكثرت الدعاء في أن يسخر قلبه. رفض في البداية وتعنت وعصب ووصفني بالغريبة الأطوار وبعد أن شرحت له موقفي ودعمته بالآيات والأحاديث المباركة لان بعض الشيء وأخذ يحوقل ويهلل ويستغفر الله وقصد فراشه وهجع قليلا وما ان هجعت أنا وما غفت عيني وحينما سمع مناجاتي وأدعيتي وتضرعي لله على سجادتي في دجى الليل الساكن قبل بطلبي شريطة أن يختار الطفل هو. واضافت: طرت من الفرحة وسجدت لله سجدة الشكر ومع اشراقة شمس ال15 من رجب 1420ه قصدنا أنا وزوجي دار الحضانة حيث كان متوترا بعض الشيء أثناء الطريق ولم ينبس ببنت شفة. وتقول: وفور دخولنا الباحة الخارجية إلا ووقع بصر وقلب زوجي على ذلك الطفل الرائع ابن الاعوام الثلاثة وهو يناغي المربية ويضحك بهوس ويلعق الشكولاتة من بين أصابعه الصغيرة ومن دون شعور أسرع اليه وانتشله من بين يدي المربية واحتضنه وضمه بلهفة المشتاق الى صدره وما تمالكت نفسي اذ بالدموع الساخنة تنحدر مني وبت اردد هذا ابننا يا أحمد.. هذا أملنا في الحياة. هذا حلمنا المغيب في زحمة الأحلام.. هذا رحمة ربنا التي سيرحمنا بها (يوم لا ينفع ما ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) وابشر بخير الدنيا والآخرة وابشر بمجاورة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في فراديس الجنان.