لم تعد وول ستريت مقصورة على عالم الأعمال التقليدي كما عهدناه. فخلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت البنوك والصناديق المالية تتجه بشكل متزايد نحو الاستراتيجيات التجارية الكمية، من أجل تحقيق أرباح أكبر. كما أصبحت تبحث بين الأكاديميين على الحاصلين على شهادات الدكتوراه لوضع نماذج للمنتجات شديدة التقلب، وإدارة مخاطرها. وفي هذه الأيام، كثيرا ما يستند مصير الشركات وثبات الأسواق على نماذج رياضية. وأصبح ممارسو المالية الكمية المدربين علميا والذين يقومون ببناء تلك النماذج، أصبحوا من أهم الشخصيات في ساحة وول ستريت وأكثرها نجاحا. من أشهر هؤلاء ايمانويل دير مؤلف كتاب (حياتي كممارس للمالية الكمية) للناشر جون ويلي وأولاده فهو أول فيزيائي متخصص في الجزيئات عالية الطاقة ينتقل إلى وول ستريت، حيث قضى حتى اليوم سبعة عشر عاما، ليصبح في نهايتها عضوا منتدبا ورئيسا لشركة (مجموعة الاستراتيجيات الكمية)، التي تمثل قطاعا هاما في شركات جولدمان وساكس وشركاهم. وهناك ساهم ديرمن في وضع عديد من أهم النماذج المالية وأشدها تأثيرا. تبدو الفيزياء والمالية الكمية متشابهتان إلى حد كبير. ويقول ديرمن: لكنك عندما تمارس الفيزياء تكون لعبتك ضد الطبيعة. أما في مجال المال والأعمال فأنت تلعب ضد أبناء الطبيعة، من بني البشر وسائر الكائنات الأخرى. فكيف يمكن تبرير استخدام الأساليب الدقيقة المستخدمة في عالم الفيزياء في عالم الأعمال والأسواق المالية، الذي يتسم بالفوضى والاضطراب؟ وهل من العقل والمنطق أن نعامل الاقتصاد وأسواقه كآلة شديدة التعقيد؟ أم أن المالية الكمية هي ببساطة تفكير خاطئ يرتدي ثوب العلم؟ يعتبر هذا الكتاب بمثابة القصة الصريحة والصادقة لبحث ديرمن عن إجابات خلال رحلة تحوله من عالم شاب طموح إلى عضو منتدب بإحدى الشركات. وكتابه يتضمن قصته الشخصية، ونطاق أوسع وأشمل بكثير عن هذه النقلة التي تحدث للكثيرين هذه الأيام، وعن العالمين معا: عالم العلم وعالم المال والأعمال. وهو يحكي قصة مروره بهذين العالمين، ومغامراته مع الفيزيائيين، وممارسي المالية الكمية، وسماسرة الأسهم، وغيرهم من الشخصيات في وول ستريت. كما يحلل الشخصيات غير المنسجمة لكل من سماسرة الأسهم وروح المضاربة لديهم، وممارسي المالية الكمية، الذين يتبعون الأساليب المنطقية العلمية. ويناقش أيضا الطبيعة المختلفة لكل من الفيزياء والمالية. وخلال كل ذلك يقدم اقتراحات حول الأسلوب الأمثل لتطبيق الأساليب الدقيقة لعلم الفيزياء على الأسواق الفوضوية في عالم الاقتصاد والمال والأعمال. وبذلك يعد هذا هو الكتاب الأول الذي يناقش هذه القضية على لسان أحد ممارسيها الفعليين. فطريقة حكيه تبدو كالقصة المشوقة، لكنها في الحقيقة تحكي الكثير عن الأذهان الذكية التي تعمل على تنمية الأموال. فهي سيرة ذاتية مليئة بالمعلومات المفيدة عن عوالم خاضها المؤلف خلال رحلته من العلم إلى المال. ولأن أسلوبه ليس علميا بحتا، فإن قراءة هذا الكتاب متاحة للجميع، وليس للمهتم بهذا المجال فقط. يتميز ديرمن بالملاحظة الدقيقة التي اكتسبها ولا شك من ممارسته لعلم الفيزياء. ولأنه محب للعالمين معا - الفيزياء والمالية - فقد أجادهما بنفس القدر، وتمكن من الكتابة عنهما بنفس الاقتدار والتمكن. وحين يكتب عن معلمه فيشر بلاك نجد لديه لمسة إنسانية، حيث لا نتوقعها بالمرة. لكنها تأتي كمفاجأة سارة، وتضفي على الكتاب بعدا إضافيا. قيل بعد صدور هذا الكتاب انه أدى إلى اكتشاف موهبة إضافية لدى ديرمن، هي موهبة الكتابة. فهو يربط العالمين معا برباط من حرير، هو أسلوبه المشوق الجذاب. وقد أضاف ديرمن الكثير لعالم الأعمال، حيث اشترك في وضع نماذج هامة، منها نموذج بلاك- ديرمن للفائدة المالية، ونموذج ديرمن - كاني للتغيرات المحلية. وقد فاز ديرمن بجائزة أفضل مهندس مالي عام 2000، كما أنه مدير برنامج الهندسة المالية بجامعة كولومبيا، ويكتب مقالة منتظمة لمجلة "ريسك"، بالإضافة إلى عمله كاستشاري لمخاطر الاستثمارات. My Life As Quant: Reflections on Physics and Finance By: Emanuel Derman 292 pp. - John Wiley & Sons