@@ الطبيب إنسان مشبع بالمعنى الحقيقي للإنسانية فمن نافلة القول أن نقول أنه يحس بآلام الآخرين إحساساً أعمق وأدق من إحساس غير الطبيب. فتراه يتألم ولكن بصمت وحكمة وبعد نظر.. لذلك أطلقت بعض الشعوب على الطبيب كلمة أو وصف ( حكيم) ولم يجانبوا الصواب. @@ والشاعر إنسان كذلك يعيش آلام الآخرين ممن حوله وآمالهم.. يعيشها بشعوره ووجدانه ويعايشها بقلبه وروحه وأحساسيه المرهفة الشفافة. لذلك ترى دموع أهله وأخوانه واصدقائه ومن حوله في عينيه.. وأحزانهم في قلبه وأحلامهم الجميلة وآمالهم العريضة تداعبه فما بالك إذا كان الطبيب شاعراً؟! في هذه الحالة ستجد أن "منسوب" الإنسانية سيرتفع مستواه إلى حد أعلى من المثالية التي يتطلع إليها الإنسان.. هذا ما يلاحظه من يتعامل مع محمد إياد العكاري الطبيب/الشاعر في تطبيبه وشاعريته... @@ "أشواق الروح" آخر نغم عزفه شاعرنا على قيثارة الغربة والبعد عن مرابع الصبا، فجاء متموسقاً يراوح بين الألم والأمل ألم المغترب وأمله وما أصعب الوقوف بين هذين النجدين.. والتذبذب بينهما!!! وفي مثل هذا المقام تظهر الشاعرية التي تمتص نفسها من هذه المعاناة الحارقة استمع بقلبك.. من مقدمته إذ يقول: ان هذه الأوراق الشعرية التي أهديها إليك، وأضعها بين يديك، بكل حب وود، وتردد ووجل، ليست كلمات جوفاء أتلمظ بها لأخطها على سطور الحياة كي يقال ما يقال.. وهي ليست خطوطاً مبعثرة في مختلف الاتجاهات، تتناغم فيها الألفاظ والكلمات، ويموج فيها العروض، لنترف سوياً في بحور القوافي.. وليست كذلك مساحات ملونة، نضبغ بها أحاسيسنا حسب الأهواء والأنواء، بألوان باهية مثيرة نبتعد بها عن واقعنا الأليم، وألوانه القاتمة. أن هذه الصفحات التي ستقلبها بين يديك، وتتأملها بعينيك وأيم الله هي حديث القلب المعنى وخلجاته.. وبيان الفؤاد المثنى وخطراته.. وتأوهات الروح التي تتلوى في واقع الحياة.. إنها وهج الأحاسيس والمشاعر أبثها إليك مخضبة دافئة من وقع الحدث. إن هذه السطور التي ستقرؤها هي حديث النفس حين تشف بالصدق، وخفقات القلب حين ينبض بالحب، ووشوشات الفؤاد حين يعزف للحنين، وأشواق الروح التي تتطلع للضياء والنور.) نثر تطاولت أعناق سنابله الذهبية إلى أن لامست قمم الشعر في ألفاظها المتألقة ومعناها السامي. وصدقها الفني.. @@ "أشواق الروح" ديوان شعر أخذ من الواقع المرير أحداثه ومعانيه، وأخذ من قلب الشاعر أخيلته وأحاسيسه، فجاء وكأنه صفحات حقيقية من سيرة الشاعر الذاتية بأسلوب شاعري الديباجة.. هذه الديباجة المخملية الناعمة وكأنها نسجت بخيوط من حرير نسجتها أنامل جراح حانية: ==1== أماه يا بدر الصفاء السارى ==0== ==0==أماه يا شمس الهنا ونهارى أماه يا بحر العطاء وأنهراً ==0== ==0==للخير تروى بالصلاح مسارى ماذا أخط وأسطري في ذكرها ==0== ==0==شفت بفيض البر والأنوار؟! أبتاه يا ذاك الأشم وملجأ ==0== ==0==في الحادثات، وهامتي ووقاري ومداد أشعاري، وعرس خواطري ==0== ==0==وأنيس أيامي، وصفو نهاري ومتى ترف على الجميع سعادة ==0== ==0==وتفوح طيباً بالشذا أشعاري والسعد حولي، والدعاء يضمني ==0== ==0==والوالدن بجانبي مناري ==2== هذا الديوان دبجته الغربة وصاغته المعاناة وتناوب الألم والأمل في تلوينه فوصلنا حاملاً ذاتية شاعره بصدق وشفافية:- ==1== عشرون عاماً والشآم بعيدة ==0== ==0==عنى ووجدى كالجبال عظيم عشرون عاماً والرماح تنوشني ==0== ==0==في غربتي والنائبات هجوم ==2== الشاعر المهندس يصيغ عبارته الشعرية بمعمار هندسي جميل. والشاعر الطبيب تنبجس عبارته كنبع دافئ عذب تحمل معنى المعاناة الصادقة والألم الإنساني الإيجابي المكبوت.. وهذا ما تراه في "أشواق الروح".