إذا كُنْتَ في كُلِّ الأمورِ مُعَاتِبَا صَدِيْقَكَ لَم تَلْقَ الذي لا تُعَاتِبَه ف «عِشْ» واحِدَاً أو صِلْ أخاك فإنه مُقَارِفُ ذنبٍ مَرَّةً ومُجَانِبَه إذا أنت لم تَشْرِبْ مِرَارَاً على القَذَى ظَمِئْتَ وأيُّ النَّاس تّصْفُو مَشَارِبه رائعة من روائع الشاعر العباسي الضرير بشار بن برد الذي يعد أشعر المولدين على الإطلاق، وروي أنه اتُّهم بالزندقة فمات ضرباً بالسِّياط ودُفن بالبصرة، توقفت عند المغزى من القصيدة مراراً كما يقول، فقد وجدت فيها من الحكمة الشيء الكثير، وفي كل قراءة له أستلهم المزيد. نعم هناك من يتخذون العتاب هواية، فلا يتركون شاردة ولا واردة إلا ويحاسبون عليها، وإن أحسنت إليهم الدهر كله، تصيدوا زلَّةً من زَلاتك وأقبلوا عليك محملين بالملامة والعَتَبْ، وويح قلبك إن استنكرت ذلك. تأملوا أصدقاءكم ستجدونهم ألواناً وأصنافاًوالحقيقة أن من أراد لصحبته أن تدوم، ولمشاعر الود ألا تنقطع، ترفق بأحبته، وتغاضى عن زلاتهم والتمس لهم سبعين عذراً كما علَّمنا المصطفى عليه الصلاة والسلام. نعم لن نجد رفيقاً بلا عيوب، ولا صديقاً بلا أخطاء، ولا بشراً بلا ذنوب، فكلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون كما قال عليه الصلاة والسلام، وقد قال الشاعر البغدادي علي بن الجهم: ومَنْ ذا الذي تُرْضَى سَجَاياهُ كلها كفى المرء نُبْلا أن تعد مَعَايبَه والمثل العربي يقول (من لك بأخيك كُلِّه) فلا أحد مُنَزَّهٌ عن العيب، وإن أحببت أخاً لك في الله فخُذْ بعضه، خذ نصفه، خذ ثلثه لكن لا تطمع بأكثر من ذلك فالكمال لله وحده، وهو سبحانه من قَسَّم المناقب والمثالب على البشر كما قَسَّم الأرزاق، وقد قال جلَّ جلاله في محكم كتابه الكريم:((ولَوْلا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَازَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَدَاً ولكِنَّ الله يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)) النور -21. وكم من رفيق مُتَفاَنٍ حنون لكنه غيور، وكم من أخ كريم معطاء لكنه غضوب، وكم من واسع الصدر حليم الطبع بيد أنه بخيل، وكم من قريب مَرِح ضحوك لكنه عجول، وقد يوردك المهالك بعجلته دون قصد منه فتراها بردا وسلاما على قلبك. تأملوا أصدقاءكم ستجدونهم ألواناً وأصنافاً، لذا تجد نفسك تميل إلى أحدهم في موقف يمرُّ بك، بينما تلجأ إلى الآخر في حَدَثٍ آخر، فالأصدقاء نِعْمة لن نملك شكر المُنْعم سبحانه وتعالى عليها مهما فعلنا، وكل عاقل منَّا يملك الخيار في اختيارهم بما يتوافق مع ما يملكه من قِيمٍ ومباديء تُسيِّر حياته، ومهما بَدَرَ من بعضهم فأخطأ أو قصَّر فإنه لا يلبث أن يعود إليك معتذراً بوفاءٍ يسرُّ قلبك ويشرح صدرك ويُزيل همَّاً ثقيلاً عن كاهلك. وقد قال الشاعر الجاهلي المُعَمِّر ذو الأصبع العدواني «نسبة إلى أصبع زائدة في رجله، وقيل لأن الحيَّة نهشت أصبعه فقطعته»: كلُّ امرئ راجعٍ يوماً لِشِيمَتِهَ وإنْ تَخَالَقَ أخلاقاً إلى حِيْنِ وبالفعل تأتي على الإنسان ظروفٌ عابرة لتُسْفِر عن وجه الصباح، وتكشف معادن البشر من حوله، فيبقى الذهب لامعاً كما كان، ويتبدَّل ما سوى ذلك «ولله في خَلْقِهِ شؤون» وللخًيْرِ أهْلٌ يَسْعَدُونَ بِفِعْلِهِ وللنَّاسِ أحوالٌ بِهِم تتنَقَّلُ هي حقائق لا بد أن نضعها نَصْبَ أعيننا دوماً، لنُدرك بحِسٍ مُرْهَف مَنْ يُحبنا، ومَنْ نعني له الكثير، ومَنْ يُفضِّل الابتعاد تعلُّلاً بالظروف، ولو كانت سعادته بالقُرْبِ منَّا لفعَلَ المستحيل ليكون بجوارنا. ثِقُوا بأن مَنْ يحبكم لن يُديرَ لكم ظهره راحلاً ذات غَدَاة، ومهما صَدَرَ عنكم من أخطاء، بل قد يراها بعين المُحِبِّ حسناتٍ تُضاف لحسناتكم، وجمالاً يضاعف حُسْنَكم، وصدق الإمام الشافعي (رحمه الله) حين قال: وعَيْنُ الرِضَى عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٍ ولَكِنَّ عَيْنُ السُخْطِ تُبْدِي المَسَاوِئا قبل الوداع: سألتني: ما أجمل ما تحفظين من الشِّعر؟ فقلت: بيتٌ للقشيري قد ل ايكون الأجمل على الإطلاق، لكنني أحبُّ أن أُهديه لكل مَنْ أحببت على وجه البسيطة سَلَامٌ على الدُّنْيا فَمَا هي رَاحَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ شَمْلِي وَشَمْلُكُمُ مَعَاً [email protected]