بينما كان مجتمعنا ينعم بالطفرة, كنت اعيش في امريكا من اجل الدراسة الجامعية هناك, ولم يكن الامريكيون يكرهوننا, ولم نكن نكرههم, ثم لا يمكن ان اقرر ان الامريكيين قد اصابوا في فهم الاسلام, ولهذا يستبطن البعض منهم العداء له, بل في الغالب انهم اساءوا فهمه ايما اساءة, ولهذا حولوه الى ضحية لاعمالهم الدنيوية, فكنت - ايام الطفرة - قادما من ثقافة تؤمن بالدين والتاريخ, الى ثقافة تؤمن بأن الدين والتاريخ محض هراء! ولاشك لدي في ان القوى الفاعلة والمحركة لحالة العداء الغربي للعرب والاسلام هي اللوبي الصهيوني وطوابيره السياسية والاعلامية, وما كان لهذه القوى ان تكون فاعلة ومحركة للعداء لولا واقع الجهل الاجتماعي الغربي للعروبة والاسلام, الجهل الذي وفر التربة الخصبة لاشاعة واستنبات المفاهيم والمعلومات الخاطئة والصور القبيحة عن العروبة والاسلام, فالصهاينة استطاعوا توجيه الرأي العام الغربي والتحكم به, بما يخدم مصالح الصهيونية, ولهذا السبب اصبح الرأي العام الغربي يرى ان العربي والمسلم انسان تسيره غرائزه, انسان مهووس, وارهابي بالفطرة. كما لا اعرف هل اصاب العرب والمسلمون في فهم الغرب وقيمه وحضارته, ولهذا يكرهون كل ما جاء منه, ام انهم عجزوا عن تقديم صورتهم اليه, وهذا يقودنا الى ضرورة البحث والتمعن في الكيفية التي تشكلت بها العلاقة بين العروبة والاسلام في العقل الغربي, وهذا بالطبع يحتاج الى بحوث كثيرة وطويلة ومعمقة, وايضا يحتاج الى حوار معرفي جاد بين الاسلام والغرب.. وعلى العارفين تحديد ادوات ذلك الحوار, والمبادرة على الفور فيه. لكن هل نبدأ هنا بالسؤال الذي طرحه احدهم (لماذا يكرهوننا؟..) وقبل ذلك أليس هذا هو السؤال نفسه الذي يوجهه ملايين العرب والمسلمين الى الغربيين ايضا؟!.. اي لماذا يكره الغرب الاسلام ويتخذ منه عدوا فكريا وثقافيا؟ ولماذا يرى بعض الغربيين ان الاسلام مصدر للارهاب والارهابيين؟!.. اليس الجواب هو جهل الغرب بالاسلام وحقيقته؟!!.. اذا كان الجواب بالنفي, فلماذا يروج الغرب لنظرية الصدام الحتمي بين الثقافات منذ بداية التسعينيات, وقبل احداث الحادي عشر من سبتمبر, بينما الاسلام يدعو الى حوار الحضارات, والدليل قوله تعالى (وجادلهم بالتي هي احسن)؟!. أليس الجهل الغربي بالاسلام (الموجه من قبل الصهاينة) وراء هذه الصورة الغربية التاريخية القبيحة عن العرب والمسلمين؟!. وليس هذا هو السؤال المهم.. لان السؤال المهم هو: هل يتحمل الغرب وحده اليوم مسؤولية الاساءة الى الاسلام والمسلمين والنتائج التي ترتبت على ذلك؟.. ام ان ثمة مسؤولية عربية واسلامية في تشكيل هذا الفهم المقلوب الخاطئ؟. لست في حيرة من هذه المواقف العدائية التي ينتهجها الغرب ازاء العرب والاسلام, لانني قد عشت في امريكا, وعرفت عن كثب ألاعيب الصهاينة هناك وسيطرتهم الاعلامية والاعلانية, وشاهدت بام عيني بعض المنتمين الى الدعوة الاسلامية, رأيتهم لا يمثلوننا ولايمثلون الاسلام في شيء, فبعض الرموز المتطرفة تولت مهمة تقديم الاسلام الى الغرب كما تراه هي وبالمواصفات التي تريدها هي, لا كما يراها المسلمون او يريدها جلهم على الاقل, فالكثير منهم كانوا متقوقعين في مؤسساتهم الدعوية, يتصارعون فيما بينهم, فكل جهة منهم تكفر الاخرى, وكل جهة منهم ترى ان اسلامها هوالاسلام الحق وغيره باطل, ثم ان اغلبهم لا يشاركون الامريكان في همومهم وفي افراحهم وفي احزانهم.. بل ان الكثير منهم قدم من الشرق من اجل الحصول على تذاكر السفر المجانية (في الصيف), ومرتبات الانتدابات, والغريب في الامر ان اغلبهم يأتون في فترة الصيف, وكأن الدعوة لله في الاجازات الصيفية فقط. كانوا قادمين من اجل الدعوة الى الاسلام, وكان جل اهتمامهم هو دعوتنا نحن المسلمين الى الاسلام, لانهم بكل بساطة لا يجيدون اللغة الانجليزية!! فالغربيون لم يتعرفوا على هؤلاء القادمين, ولان القادمين لايعرفون اللغة الانجليزية, لذا اصبحوا مجهولين ورسالتهم كانت مجهولة, بسبب عدم معرفتهم لغة القوم, ولهذا السبب انقطع الاتصال بين الداعين والمدعوين ولذا نقول: ان اهم مقومات عداء الغرب للاسلام لا يقوم على المعرفة به, بل على الجهل به, وان نسبة الجهل به تعكس نسبة العداء له, فالغرب - اليوم - يحتاج الى معرفة المزيد عن الاسلام, اكثر مما يحتاج المسلمون الى معرفة المزيد عن الغرب. علينا اليوم المبادرة الى تصحيح صورة الاسلام والعروبة وتطهيرها مما شابها من التشوية والاساءة, المتعمد منهما او العفوي, والى تقديم الاسلام الى الغرب بالصورة التي نريد له ان يكون عليها, اي الصورة الحقيقية له, دينا للتسامح والعدل والمحبة, كي نحدث التحول المطلوب داخل الرأي العام الغربي, وهذا ممكن اذا كنا على يقين بان العداء الغربي للاسلام انما يقوم على الجهل به اولا, وبسيطرة الصهاينة على مفاتيح الاعلام ثانيا. وتجدر الاشارة الى ان العروبة والاسلام قد صارا هدفا عدائيا خطيرا للغاية من هؤلاء الاعداء التقليديين, واعني الغرب نفسه, وبغض النظر عمن يسير دفة الحكم فيه, جمهوريا كان ام ديمقراطيا ام اشتراكيا, فالكل كانوا ولايزالون مع العدو الاسرائيلي في السراء والضراء منذ الحربين العالميتين الاولى والثانية, ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى اليوم لم تنته ابدا الدسائس والمؤامرات والعدوانية وضد العروبة والاسلام, كما ان الميراث العنصري الغربي لا يزال يساهم بشكل ملحوظ في صياغة الرؤية الغربية للعرب والمسلمين. ومن اجل تصحيح هذا الخلل, لابد من تحرك العرب والمسلمين مستخدمين كافة المستويات من الحوار مع الغرب بصفة عامة, اذ لا يكفي القيام بحملة اعلامية لتحسين صورة العروبة والاسلام في الغرب, بل لابد من ارسال رسائل نقدية من خلال حملات اعلامية محترفة وحوارات مكثفة تبين له ان دعمه للصهيونية, وهجومه على العالم العربي لا يمكن قبوله ولن يظل مجانيا.