هناك كثيرون يدعون إلى مجتمع خال من المدارس، ولهم تطبيقات كثيرة ومختلفة، وتبريرات عقلية ونفسية مختلفة أيضا، ومنذ وقت شاع كتاب لتربوي أمريكي اسمه "إيليشIllich " راج بين الناس بمختلف فئاتهم وكان عنوانه يدل على موضوعه ( مجتمع بلا مدرسة). صحيح أن هناك تجارب وإثباتات إنسانية عن ناتج عبقري لاناس تعلموا تعليما انفراديا أو في المنازل، غير أني واحد من الذين يؤمنون بدور المدرسة ليس فقط كدار للعلوم ، ولكن ضرورة حيوية للنمو العقلي الاجتماعي لدى الأطفال. غير أن للمدرسة عيوبا أهمها الجمود ليس في طريقة التعليم ولكن في البناء والتواصل الاجتماعيين. ففي التعليم أنا أرى وأتفهم من يقول ويكتب ويبحث طريقة المدرسة التقليدية عندنا ( وفي معظم العالم الثالث) في أنها تساهم في خنق قابليات التلميذ، بدلا من خلقها. طبعا هذا يؤدي إلى افتقار قوى الإبداع اللازمة للمجتمع، وانظر في قدرات خريجي المدارس الثانوية، ان بعضهم وهم كثير بقدرات أقول :انها مضحكة. للأسف أضيف : ان المدرسة والمعلمين قبل عقود قليلة في بلادنا كانت وكانوا أكثر كفاءة، وكان المعلمون اكثر إبداعا، والدليل أن التلاميذ يخرجون من الصفوف الأولى وبقدرات مذهلة تنمو معهم كلما أخذوا في العمر، والأدلة مازالت حية تعيش بيننا. هناك إذن ضعف إبداعي ربما ساهمت به شيوع العملية التعليمية وتضاعف أعداد الطلاب والأساتذة وخليط من ظروف وأشياء أخرى. ولكن هل نقبلها؟! لا ، هل نغيرها؟ نعم، ولكن هاهي السنوات تمر ولا نرى أثرا نصفق من أجله.. على أني أتحدث اليوم عما يعرفه التربويون من ستينيات القرن المنصرم، وهي الطريقة التي تعرف "بالتربية المؤسسية Institutional education" وهي منذ خرجت أثبتت بتطبيقاتها نتائج ممتازة في التفاعل الاجتماعي حتى صارت المدرسة في نسيج المجتمع، مدرسة بلا أسوار. هذه الطريقة تجعل من المدرسة إضافة لكونها مؤسسة تعليمية ومؤسسة اجتماعية أيضا. في ظل هذه الطريقة تنمو العلاقات الإنسانية المجردة بين اعضاء المدرسة من مديرها إلى معلميها إلى طلابها. تتيح هذه العلاقات المنطلقة تعرف أشخاص المدرسة على قدراتهم ومواهبهم وميولهم الحقيقية. كثير من القدرات يموت لأن الطالب يخاف عقاب المعلم، وكثير من مواهب المدرسين تُحبس وتُكبت خوفا من شروحات وتعليقات وردود أفعال مدير المدرسة، والمدير ممثل للهيئة الرسمية أكثر من كونه عضوا اجتماعيا مع أفراد يتواجدون معه معظم اليوم. عندما تختفي حواجز السلطة والبيروقراطية ولزوم الصفة الرسمية وتنفتح المدرسة أمام علاقات تبادلية اجتماعية منسابة يكتشف الناس بعضهم بلا وجل ولا خوف ولا تردد ولا خجل، فتظهر القدرات المخبأة، وتنمو وتزدهر، وتكون طريقا نافذا لخروج القدرات الإبداعية. أشبه السلطة البيروقراطية التعليمية التي تفرض نمطا تفكيريا واحدا و متشابها على التلاميذ، بتقليد صيني عريق وهو حبس أقدام الفتيات وهن صغيرات بأحذية خشبية بحيث لا تنمو القدم وتكون بنات الصين كلهن لما يكبرن بأقدام موحدة ومتساوية وبالطبع لم تكتمل نموا! يجب أن أعلن من مكاني هنا كمهتم بشأن اجتماعي بصفحة اجتماعية بالمناداة بانتقال نوعي في الآلية التعليمية، وأهم ما يكون هو ألا تكون العملية التربوية نمطا إخضاعيا يتصلب أمام الأوامر وحدود المناهج، وقيود النظام. ونحتاج مفكرا يعشق ويهوى التعليم ليأخذ خطوة مهمة وجريئة لفتح عقول الطلائع القادمة. @@ د. ناصح..