أدركت الولاياتالمتحدة اليوم أنها لا تستطيع القيام بعملية ما إلا إذا حظيت بموافقة إسلامية، وهذا الغطاء الإسلامي لا يمكن أن يتحقق إلا بغطاء عربي، والغطاء العربي لا يمكن أن يغطي المشروع الأمريكي إلا بغطاء فلسطيني. وهذا ما دفع بوش إلى الاعتراف بدولة فلسطينية، ولذلك قال شارون نحن لسنا مرشحين لان نكون تشيكوسلوفاكيا. لكن ما يقوم به من تحالف ضد العرب والمسلمين المتصل بالواقع الإسرائيلي القائم اصبح عبئا على تحقيق الغطاء المطلوب من العرب والمسلمين لاستكمال المشروع الأمريكي، وهذا يعني أن شارون يرفض أن يضحي بمصالح إسرائيل من اجل تحالف دولي مع أمريكا لتحقيق مشروعها العالمي، وشارون يراهن على إعادة التوازن داخل الإدارة الأمريكية لصالح فريق البنتاغون المدعوم يهوديا وان يقوم هذا الفريق بالتعاون مع القوة الضاغطة في الكونغرس بالتغلب على تيار كولن باول الذي يريد أن يسلك خيار الإجراءات المعقلنة نسبيا فيما يتعلق بحماية تحقيق المشروع الأمريكي. في كتابه (حقيقة الصراع: الغرب والولاياتالمتحدة والإسلام السياسي) يرى أحمد موصللي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم تعيد رسم استراتيجيتها عبر العامل العسكري، والذي هو جزء أساسي في هذه الاستراتيجية، وستتحكم المنظومة الأمنية الأمريكية بالعالم على حساب تحكم المنظومات الاقتصادية والسياسية الأمريكية. وبما أن مفهوم الإرهاب هو مفهوم مطاط ويشمل دولا وأفرادا وجماعات عدة، لذلك تكون الولاياتالمتحدة شبكة أمنية عالمية، إلا أن أمريكا حاليا لا تزال في حالة ردة الفعل ولم تستفق بعد من الصدمة، كما أنها تعيش اليوم صراع التيارين الحاكمين فيها: تيار الخارجية الضعيف وتيار البنتاغون القوي. ولكن هذه هي المرة الأولى، ولفترة وجيزة، بحسب المؤلف تمكنت الخارجية من فرض سياسة مرنة. وهنا لا بد من أن يكون سقف العالم العربي عاليا جدا وموحدا مستفيدا من هذه الظروف لتحقيق المصالح العربية، خصوصا بعدما أصبحت إسرائيل عبئا على الولاياتالمتحدة وعلى حساب أمريكا نفسها، وبات الشعب الأمريكي يسأل لماذا تكرهنا الشعوب الإسلامية. ويحدد الكاتب الاستراتيجية العالمية اليوم في قسمين : استراتيجية ما قبل 11 سبتمبر واستراتيجية ما بعد؛ ما قبل 11 سبتمبر لم يكن أحد يظن ان العالم سيجتمع على هدف واحد، وان القوة العظمى في العالم ستجيش معظم الدول لخدمة مصالحها. أسدلت هذه الاستراتيجية الستار على ما قبل 11 سبتمبر، ولم يعد بإمكان دولتين أو ثلاث أن تجتمع لتنفيذ عمل معين دون موافقة الولاياتالمتحدة، وأصبح العالم كله محصورا في حلقة معينة ضد أهداف عالمية مشتركة. وإذا بقي الإرهاب هدفا عالميا سيبقى العالم كله موجها لمواجهة أي عمل سيحدث على الساحة الدولية. وهنا إذا كانت الدول العربية تريد الحفاظ على ما هي عليه فان الاستراتيجية الجديدة لما بعد 11 سبتمبر تفرض عليها أن تكون متحدة. فالمطلوب إذاً رص الصفوف لان إحدى المراحل المستقبلية لا بد أن تستهدف الوضع العربي والإسلامي برمته، لذا يجب على العرب أن يحموا المواقع المهمة في تاريخهم الحديث، كقضية فلسطين، إذ لم يتألم العرب من شيء اكثر مما تألموا بسبب فلسطين، وحتى في الحروب الصليبية التي حصلت في نفس المكان في فلسطين. وسيوظف الأمريكيون مفهوم الإرهاب لتحقيق أهداف أخرى، إذ يبدو أنه في المرحلة الأولى هناك سعي أميركي إلى قيام كيان استراتيجي لمواجهة الديمغرافيات الكبرى في العالم، واكبر ثلاث ديمغرافيات هي الهند والصين والباكستان، فأمريكا حيدت كل الدول الكبرى ولكنها لم تحيد لمرة واحدة أيا من الهند والصين وباكستان، وهذه دول تملك السلاح النووي. ومع انه من المستبعد أن يقع الصدام بين هذه الدول وأمريكا بسبب توازن الرعب القائم، لذا تحاول أمريكا تقريب هذه الكتلة الجغرافية منها لايجاد جغرافية سياسية جديدة في باكستان، خصوصا وان تلك المنطقة لم تتشكل فيها دول جيوبوليتيكية كبرى. إذ أن الاتحاد السوفياتي والذي مكث هناك عشر سنوات لم يوحد القبائل ولم يجعل منها دولة بحسب المفهوم المعروف للدولة، ومن هنا فان الأمريكيين يجدون سهولة في اختراق هذه القبائل والشعوب من خلال ضربهم بعضهم ببعض من اجل السيطرة عليهم. الكتاب: حقيقة الصراع: الغرب والولاياتالمتحدة والإسلام السياسي. المؤلف: أحمد موصللي. الناشر: عالم ألف ليلة وليلة عدد الصفحات: 213