سمعت زوجي يتحدث بالتلفون إلى أحد إخوانه ، ويصارحه بأنه ضجر مني وأنه يريد أن يطلقني، ولكنه خائف من سطوة أسرته وأسرتي والذين تربطهم أواصر قوية ، في القرابة والتجارة، منذ أجدادنا. وسمعته يقول: "إنه لابد أن يفعل شيئا وإلا أنه سيفقد عقله، وأن الحياة لا تطاق معي.." طبعا هذا وقع كالسيف على رأسي ، فأنا أحب زوجي، ولم ألاحظ يوما أنه ينفر مني، ولم أطلعه حتى الآن عن تلك المكالمة، والتي أسميها مكالمة مشئومة لأنها تدمرني كل يوم، وأحيانا أسميها المكالمة التي قد تكون منقذة، حتى أعرف الكذبة التي أعيش بها قبل الأوان.. الآن أنا حائرة: هل أقول له ما سمعت في المكالمة، وهذا قد يقود إلى نكرانه أو أي عذر آخر؟ هل أعيش معه لأني أحبه عسى أن الأمور تتحسن فيما بعد، ولكن كيف سأتأكد من ذلك بقية عمري؟ هل أطلب منه أن يتركني؟ وكيف سنواجه عائلتينا؟ ولكن لم أتحمل أنا الذنب ولوم الأهل، وأنا لم أفعل شيئا، ولم أرغمه بالطبع على الزواج بي؟ هل أدفعه أن يقول ذلك هو لأهله ؟ وربما يجد هذا عذرا يضعه علي فتلتوي الأمور؟ هل أخبر أهله وأهلي عن تلك المكالمة، فما دليلي إن أنكر، وأنكر أخوه؟ إني أعيش في الجحيم، وكل لحظة تمر تسرق من عمري سنوات، وأظن أني سأجن.. ما العمل يا أستاذة حكيمة؟ مها.. @ العزيزة مها: هذه شبكة خطيرة جدا من الشعور الثقيل أعترف لك يا عزيزتي مها، والخروج منها ليس سهلا، هي طرق مهما سرت بها إلا أنها تصل إلى نهايات مسدودة. دعيني أعترف لك أن المسائل شائكة وصعبة.. ولكن أريد منك أن تنتبهي إلي جيدا، وأن تحسني الإصغاء، وتتأملي فيما أقوله لك، قد تصدين عنه، وقد تغضبين في الوهلة الأولى ،ولكن التريث وإعادة التفكير سيقودانك إلى مظان أكثر تفاؤلا إن شاء الله.. أول ما أبدأ فيه، هو أنك لم تجدي من زوجك أي بادرة في سوء التصرف معك، بل إنك تقولين في رسالتك الطويلة، كيف أنه يحبك، وكيف أنه يتحدث معك ولا يخرج من المنزل بعد عودته من العمل إلا معك. اذا هذه دلالة على أن الرجل يحبك، فالإنسان مهما مثل إلا أن الشعور الحقيقي هو الذي يتغلب في النهاية، لم تذكري ولم توضحي عنصرين مهمين في رسالتك، وهو كم مضى على زواجكما، وهل لكما أبناء ( وإن كنت أفهم من جملتك "قبل فوات الأوان" أنك لم تنجبي بعد) على أنني أمضي في كلامي ولا أجد أن أيا من هذين العنصرين يقف ضد المنطق الذي أعوِّل عليه هنا. إذا بما أنك لم تلاحظي أي نوع من الجفاء منه- والمرأة حساسة جدا في مسألة المشاعر وستلاحظ اقل حركة، أقل كلمة، أقل زفرة من رجلها تنم عن قلة حب أو تذمر في العلاقة التي تربطهما- كل هذا يدعوني إلى التفكير في أصل المشكلة وهي المكالمة ذاتها، هل سمعت كل المكالمة، أو ظروفها، أو ملابساتها؟ بالتأكيد لا! فلعله لأمر ما يقول أشياء غير حقيقية لأخيه، لعل ظرفا ما دعاه أن يمثل أو يدعي أمام أخيه.. وتأكدي يا عزيزتي أن هذا يحصل منا جميعا أمام مواقف كثيرة فيقرأنا من يلاحظنا من الخارج خطأ. وربما يتحدث عن موقف ما محدد بدر منك. إن لم يكن لديك أبناء فلعلك تتريثين قليلا حتى تتضح الخيوط، وهي ستتضح لا محالة، وتستطيعين بذكائك أن تحاولي الغوص في شعوره بدون أن يحس أنك تحققين معه، أو أنك لاحظت أو سمعت شيئا، وهذا شيء مهم وإن كنت لا تستطيعين عمله بحذق وإتقان فالأفضل ألا تفعلي حتى لا تهدمي المعبد عليكما معا. إن كان لك أبناء منه فإني أحذرك من أي تصرف واجعلي الحياة تمضي في سبيلها لأن الأمر هنا قد تعداك وتعداه. وربما أن في هذه المكالمة كما قلتِ إنقاذا، ولكن ليس الإنقاذ الذي تحدثيني عن طبيعته في رسالتك لي ، وإنما إنقاذ من نوع آخر.. كيف؟ وما أقصده في الإنقاذ هو إعادة التأمل والمراجعة في تصرفاتك وطبيعة أفعالك أو ردود أفعالك معه، هل راجعت تصرفاتك، أفعالك، سلوكك معه؟ ليس منا أحد له صفة الاكتمال كما تدركين وتعلمين حق العلم. فأرجو منك- وحاذري أن تفهمي أنني أتهمك هنا، ولكن هي إشارة بسيطة لربما تزيد من تقربه لك- أن تضاعفي حبك له، والاعتناء به، والتركيز على أشيائه التي يحبها، وأن ترفعي دائما من معنوياته، وأن تقفي معه في مشكلاته، وأن تفهِّميه أنك من الممكن أن تتصدي لكل مشاكل الدنيا من أجله.. اجعلي الحياة له بدونك صعبة جدا، لأنه لن يجد قلبا مثل قلبك، ولا ملاذا مثل ملاذك. ولن يصعب عليك هذا لأنك عاقلة، ولأنك بالفعل تحبينه وتغلينه جدا كما شرحت. إذا يا عزيزتي اطوي تلك اللحظة وكأنها لم تكن، وتأكدي أن لها ظروفها، وأؤكد لك أن الرجل الذي لا يطيق زوجته أو أنه سيفقد عقله لو عاش معها مزيدا من الأيام ويصبر بل ويظهر الحب، ليس موجودا في واقعنا الذي نعرفه.. كل شعورك مبني في ما أنا متيقنة منه على ظنون مبنية على مشهد واقعي، ولكن لا نعرف مسبباته ولا بواعثه ولا ظروفه، فلا نحكم عليه.. استمري في حياتك كأن شيئا لم يكن، إلا في بذل المزيد من الحب والاهتمام. ناصح