كثير من الادباء والظرفاء كتبوا عن الحمار.. فهو يغري بالكتابة عنه لطاعته العمياء الدالة على الغباء والصبر بدون ان ينتج هذا الصبر عن ارادة بل عن استسلام تتراكم فيه الذلة. اما الجمل فقد بقي مهملا طوال هذا التاريخ الذي نجحت فيه بعض الحيوانات من جلب الانظار اليها, ودفع القرائح المبدعة الى تحويلها الى رموز هامة كما نشاهد ذلك في (كليلة ودمنة) وحتى الشعراء الجاهليون لم يصفوا الجمل, بل اكتفوا بوصف الناقة. تقول الموسوعة العربية: (من مميزات الجمل انه يحمل طعامه في ظهره, اذ يخزن فيه كميات من الغذاء في شكل الدهن الذي يتكون منه السنام, ومن هذا السنام يجد الطاقة اللازمة له متى تعذر وجود الطعام) هذا ونحن نعرف من وقائع التاريخ ان الإبل كانت اهم ما يقتنى عند العرب, لذلك حين يغزو قوم قوما آخرين تكون الإبل هي هدفهم الاول, ومن هذا جاء المثل (أشبعتهم سبا وراحوا بالإبل). ان قلة احتياج الجمل الى الطعام, وقلة حاجته الى الماء عدة شهور (احيانا) بالاضافة الى احتماله حمل الاثقال.. كل هذا جدير بأن يلفت الشعراء الجاهليين للإشادة بالجمل, لأنه وحده الحيوان الذي يلائم حياتهم الفقيرة البائسة, ولكنهم لم يفعلوا.. ولا تسألني لماذا؟ نزار قباني الذي اظن انه لم ير جملا يمشي على الارض في حياته قال: (ايا جملا من الصحراء لم يلجم) كناية عن جهل الرجل وعشوائيته وذهنيته الصحراوية واسلوب حياته الهمجي.. نزار هذا حول الجمل الى وصف صنع منه رمزا, او حالة كل ما تدل عليه هو التخلف والبدائية وكل ما هو خارج عن الذوق. البشاعة التي الحقها نزار قباني بالجمل حين احاله الى وصف اسود, لا اظن ان الجمل يستحقها, فهي تنافي ذلك التقدير الذي اثبته التاريخ العربي للجمل, ولكن لاقل الشعراء, وليس لشاعر بحجم نزار ان يوظف الرمز كيف شاء. الصورة التي رسمها نزار للجمل تقابلها صورة اخرى يعبر عنها المثل الشهير (لا ناقة لي فيها ولا جمل) هذه الصورة اسميها (التعلق) فالعربي يعبر عن ارتباطه بأي شيء وعدم ارتباطه بملكيته للناقة والجمل, فاذا كان يملكهما تعلق بالمكان والا فلا. هذا التعلق يعطي للجمل دلالة نفسية يستشعرها العربي هذه الدلالة هي الاطمئنان, وكفى بذلك تعلقا.