الأخت نادية : أستهل هذا الحوار معك بدون أن ألومك أو يغضب عليك قلبي كما كنت توقعت في رسالتك. الذي يحصل هو العكس تماما فإني أتفهم شعورك تماما، ويجب أن تعلمي أني لا ألومك ولن ألومك. فأنت امرأة تعطين عاطفة وتشعين حبا بتكوينك الذي أراده الله أن يكون، ولذلك فأنت تتوقعين ليس عطاء مساويا، ولكن أعرف أنه يكفيك أحيانا أقل القليل. طبعا يحق لي أن ألوم كل اللوم هذا الزوج البارد الذي سميته عمليا، وهذه ليست العملية على الإطلاق، العملية هي الفهم الصحيح لحقائق الحياة حتى وإن اعترضت رغباتنا الخاصة، ولكن زوجك رجل سادر في أنانيته، والأنانية من أكبر الصفات خساسة في البشر فالأناني يتيح لنفسه كل شيء، ولا يقبل للآخرين أي شيء. طبعا يا نادية، هناك نظرية حقيقية اسمها نظرية الفراغ وملء الفراغ، وبما أن آلية الحياة لا تقبل الفراغ المطلق، فلا بد أن يحل شيء مكان شيء هذا أمر حتمي لا يد لنا في منعه. ولكن هل الإنسان تعلم أن يستسلم لآلية الطبيعة أم أن الله أيضا أعطاه عقلا وضميرا ووجدانا ونظاما أخلاقيا يحمل الثواب والعقاب الأبديين للتعامل مع آليات الطبيعة وتسخيرها لما ينفع الإنسان؟! ومن هنا دعينا نفكر معا.. أنت في الخامسة والثلاثين امرأة في ذروة أنوثتك، وتدفق حيويتك، وتحتاجين جرعات عاطفية وحنانا وحماية، وعندما يتخلى رجلك عنك تحسين أنك انهدمت فجأة، ومن الطبيعي أن تشعري بالقرب والحميمية لأي يد تحملك وتعيد لك توازنك من جديد، هذا هو المنظر العام كما يبدو لك صح؟ طيب، المنظر صحيح، لكن هل الدواعي صحيحة؟ ثم هل النتائج صحيحة؟ وفي نهاية المطاف هل سنكون أكثر سعادة؟ أم أننا فيما بعد سنضيف سعادة إلى شقاء، وستتحول السعادة إلى شقاء مضاف إلى شقاء مقيم؟ تعالي نتابع حديثنا الذي لابد أن يكون صريحا ومباشرا وحانيا.. الحقيقة أن زوجك ترك فراغا لأنك أحببته، لو أن قلبك خال من حبه أو أنك تكرهينه لما شعرت بهذه الوحشة وهذا الفراغ، ولكنك أحسست بكل ذلك لأنك أحببته وأعطيته ما تعطي الزوجة المحبة زوجها من دون منة ولا نقصان، الذي صار هو أنه تركك ولم يقابل حبك إلا بالجفاء والغلظة وسوء الأدب.. لذا فأنت بحالة انتكاسية معروفة نفسانيا، ومن الطبيعي أن تغفلي عنها لأنه لا يمكنك أن تراقبي نفسك خارج عواطفك بل ان هذا يكاد يكون مستحيلا، وأنا هنا لا يمكن أن أطلب منك المستحيل.. هذه الحالة هي الغضب الكامن العميق والذي من دون وعينا يطلب انتقاما.. لا تتعجبي يا نادية هذه هي الحقيقة، قد لا تصدقين لأول وهلة، وهذا من حقك ولكن لنتابع حديثنا.. أنت تقولين أنك أحببت هذا القادم الجديد الذي أمدك بشحنة من العاطفة.. هل هذه الجملة حقيقية ونابعة من ضميرك وقلبك؟ لا، وسأثبت لك. لو كان زوجك أحسن معاملتك وبادلك الحب حبا وأرضاك ومنحك كل حق الزوجة والصديقة وشريكة الحياة، هل ستحبين الآخر؟ أظن لا ، وإلا كان هناك فساد متأصل في قلبك وهذا ما لا أقبله ولا أتصوره فيك أبدا حماك الله، إذا لماذا انجرفت مع الرجل المعسول؟ سؤال يستحق أن تتريثي قبل الإجابة عنه، أليس كذلك؟ .. إذا ما دام ذلك ليس صفة سلبية فيك فلماذا انكفأت إلى ذلك الرجل؟ سأقول لك.. إنه الغضب، ورد الفعل بفعل آخر! بصراحة، أنت تنتقمين منه بلا وعيك.. صحيح أنك بحاجة للكلام الطيب والحنو والسند العاطفي الرجالي، ولكن لست أنت من المضطرات بشدة إلى ذلك، لأنك امرأة ناضجة، ولأنك أم محبة، ولأنك عاملة، فترين أن لا فراغ يضطرم في يومك كما يكون مع الخاليات من الفتيات أو النساء ، بينما أنت لديك كل ما يشغلك، إذا أنت لست في حالة حب كما تتصورين، ولا حتى تعويض، أنت في حالة ردة فعل، ومتى وزنت الأمور ستجدين أن ذلك هو المنطقي، متى ما اقتنعت ستبدأ الأشياء تتكشف أمامك رويدا رويدا، كما ينقشع أمامك على مهل ستارة سوداء ليطل النور.. حتى يغمرك النور تماما.. ثم من جهة أخرى أنت جنيت على أسرة أخرى في ميلك لهذا الرجل، أتقبلين هذا على نفسك؟ ثم تعالي أنظري من زاوية منطقية في الجانب الآخر، أليس هذا الرجل صورة مطابقة لزوجك بالنسبة لزوجته؟! هل فكرت في ذلك، ربما لا.. إذا فكري! إذا يا نادية ما أطلبه منك هو مواجهة ضميرك الحقيقي الذي قلت لي إن حسن منشأك وقوة مبادئ وتأسيس أخلاقياتك ولا شك إيمانك بالله وبقانون الله، وأنا أصدق كل كلمة قلتها لي في ذلك، وأعتمد عليها مع رجاحة عقلك في أن تتأملي في حديثنا هذا، أنا لا أملي عليك شيئا كل ما أطلبه منك فرصة تستقطعينها للتأمل وإعادة تقييم الأمور.. متى ما وجدت في كلامي أي صحة، كل ما أرجوه أن تنفضي عن نفسك الهم وتضمي أولادك إلى قلبك ( حبك الخالص والحقيقي) وتشكري ربك على نعمائه ، وتحمديه على التجارب التي نمر بها في حياتنا وأكثرها صعب يا نادية .. وهنا نكتشف مدى عظمة قوانا الداخلية متى ما سمحنا لها بالانطلاق.. أما زوجك فاصبري إن كان الأمر يحتمل الصبر وتفرغي لحياتك العملية وتربية أولادك، احرصي أن يكون ما تكسبين لك أنت وفي حساب مستقل. وإن تعدت الأمور حدود الصبر فالشرع وضع أمامك الحلول.. أودعك يا نادية، وباركك الله! @ ناصح الرشيد