يمارس كل انسان في حياته الخاصة والعامة شيئا من التخطيط وشيئا من الاحصاء، ليتخذ قرارا للقيام بعمل ما. ومهما كان العمل الذي ينوي القيام به بسيطا او كبيرا فانه يتحرى احتياجاته او احتياجات اسرته او مؤسسته في ضوء المعلومات والارقام وتوافر المال. وحينما تكون المعلومات الرقمية كعدد المستفيدين والكميات المطلوبة والمال دقيقة وصادقة امكنه ذلك من اتخاذ القرار السليم وحقق اهدافه، كشراء احتياجات الاسرة او بناء منزل او بناء مشروع استثماري وغير ذلك من الامور هذا على المستوى الشخصي فكيف على مستوى مشروعات الوطن التنموية. حيث يكون عدد السكان ونسبة التزايد السكاني السنوية الركيزة الاولى التي تبنى عليها الاهداف الاستراتيجية للتخطيط الانمائي؟ ولايمكن ان يحقق التخطيط الاستراتيجي التنموي اهدافه في تنمية الموارد البشرية والموارد الاقتصادية والتنمية العمرانية والثقافية في البلاد، مع غياب الرقم السكاني الذي يترجم حقائق التزايد السنوي للسكان، ولا يمكن ان يحقق اهدافه اذا كانت المعلومات الاحصائية السكانية غير صادقة وغير دقيقة، وفي هذه الحالة تكون عملية التخطيط مبنية على الوهم والظن والتوقع المضلل لاصحاب القرار، وحينئذ تفشل الخطة الانمائية في تحقيق اهدافها، بالاضافة الى اهدار المال العام، وضياع الامكانيات المادية والمعنوية والجهود سدى. في بداية مرحلة التخطيط في المملكة وهي مرحلة تاريخية في مسيرة تطورها والتي بدأت عام 1390ه /1970م كانت اهداف الخطة الاستراتيجية تبنى على التوقعات اكثر من الحقائق المعلوماتية، لاسباب منها ان مفهوم التخطيط كان جديدا لم يتعمق فكريا ولم ينتشر ثقافيا بين الناس، ومنها غياب المعلومات الاحصائية الدقيقة نظرا لعدم وجود آلية فعالة للاحصاء السكاني، وانما كانت تقديرات احصائية، ورسمت اهداف الخطة الاولى للتنمية الشاملة عليها وعلى تصور للاحتياجات الانمائية التعليمية كبناء المدارس والمعاهد والكليات، وبناء الطرق والمواصلات والبرامج التنموية الاخرى التي تحقق الاهداف المقصودة وعلى الامكانات المالية المتاحة في ذلك الحين، لقد كانت البداية لعهد جديد يعتمد على المعلومات وعلى معطيات العلم والتقنية، لقد حققت الخطة الاولى الشيء الكثير في تنمية الموارد البشرية والموارد الاقتصادية في ضوء المعلومات والاموال المتاحة. ثم توالت الخطط الخمسية للتنمية الشاملة في تطور وتحسن مستمر، واذا كانت المعلومات الانمائية يمكن تصورها والامكانات المالية يمكن حسابها من قبل الجهات المختصة دون مشاركة افراد المجتمع فانه يكاد يكون مستحيلا توافر الارقام الاحصائية عن السكان دون مشاركة فاعلة من قبل افراد المجتمع، وهم المستهدفون ببرامج خطط التنمية وتوفير الخدمات التعليمية والثقافية والصحية والامنية والعمرانية لهم ولابنائهم وللاجيال الصاعدة وتتوافد في هذا المجال اسئلة لا يمكن الاجابة عليها مالم تتوافر المعلومات الرقمية الاحصائية للسكان مهما حاول القارىء التركيز الذهني للاجابة عليها. ومنها: كم عدد المدارس والكليات التي تحتاجها البلاد خلال 15 او 20 سنة؟ وكم من المستشفيات نحتاجها خلال هذه الفترات. الخ؟ وكم من الاشياء تلزم لتلبية احتياج السكان اليها؟ مالم نستطع الاجابة على الاسئلة التالية: كم عدد السكان في المملكة الان؟ وكم عدد كل فئة عمرية في الوقت الحاضر؟ وما نسبة المواليد السنوية خلال فترات الخطط التنموية؟ الى اخر منظومة الاسئلة العديدة، والسؤال الاخير: من الذي يستطيع الاجابة عن هذه الاسئلة و غيرها؟ هل هي اجهزة التخطيط؟ ام افراد المجتمع؟ ان اجهزة التخطيط تستطيع الاجابة عنها بعد حصولها على اجابات افراد المجتمع على بنود استمارة التعداد السكاني القادم وهو المنطلق الوحيد الذي يسهم المواطن من خلاله في توفير المعلومات الاحصائية السكانية وبقدر صدق المعلومات التي يدلي بها عن افراد اسرته ومعيشتهم تكون اجهزة التخطيط قادرة على وضع خطط التنمية واهدافها الاستراتيجية بناء على المعلومات المتاحة. ومما تقدم يتضح بجلاء دور المواطن في صنع اهداف خطط التنمية فهو يتحمل مسؤولية وطنية تجاه نفسه وتجاه اسرته وتجاه الوطن حاضرا ومستقبلا. وهو بادراكه هذا الدور الوطني وتوفيره المعلومات السكانية الصادقة لمندوبي التعداد السكاني يبرهن على وعيه الوطني المسؤول وعلى رقيه الحضاري، كما يبرهن على امانته وصدقه.