أعترف أن الرعشة التي تملكتني هي حالة من الصحوة المريضة التي تخللت عظامي دون استئذان بعد مدة من الوقوف تنتظر السماح لها بإتخاذ قرار لن يتحقق إلا بخطوة تقربني وتبعدني في ذات الوقت .. وربما خطوة تحكم ببداية ضياع من هن في مثل وضعي ممن تنتابهن نوبات جنون واضحة عندما يمر ذلك الرجل كالسكين بلا مبالاة تقتل أكثر مما تقطع وأنا أمام الناس زوجة منقوشة كالحناء في بيته دون أي بارقة من الاهتمام فالمجتمع يقول ويعلنها صيحة مدوية (ظل راجل ولا ظل حيطة) المهم (...) في حياتك عفواً رجل يروق لي أن أسميه (...) مع الفارق أن ( ....) أو الانسان مطيع وصبور .. حنون مقارنة ببعض الرجال الذين ضل الحنان طريقهم كنت قد بأدت أفقد قيمتي كنت قد بدأت أتهاوى لأسقط نعم أسقط في ذات القاع الذي سقط هو فيه دون أن يفيق نعم .. لن يفيق هو برغبته جرف تربة حياتنا الزوجية وخلفها وراءه بعيداً هو يحجم دائما عن الدخول معي في مناطق الاستشكال حرمني حتى من أمومتي.. معللاً بأن الأطفال سوف يكونون مبدئيا عائقا وسداً منيعاً قد يحول بينه وبين دراساته العليا بإزعاجهم وصراخهم وطلباتهم التي ما إن تبدأ حتى تواصل هل من مزيد ؟ وها هو قابع مع زوجته الأخرى الإنترنت تضحكون !! يحق لكم ذلك أنا أعتبرها زوجة أخرى، ولكنها زوجة لم تترك لي سوى جثة فعلا .. جثة.. عينين حمراوين ظهرا منحنيا روحا مكبلة وأعصابا مستنفرة وشعرا أشعث وبقايا رجل كل ما يميزه الصراخ والظل نعم أنا أراه كالظل يظهر ليختفي في لمح البصر حتى دون أن يسترق النظر إلي أنا الجميلة الذكية التي طالما تمنى الاقتران بها مع معرفتي الحقة بأنه لا يحق لي التباهي أو الفخر بوجود مزايا شكلية أو جسدية ليس لي دور في وجودها. فأنت ايها الانسان هو انجازك وأعمالك حتى الانجاز يجب أن يوزن بمدى فائدته للناس وللبشرية .. وزوجي قابع في مكانه بل على كرسيه عيناه متسمرتان أمام شاشة الكمبيوتر .. ظهره بدأ في الانحناء ويعاني تصلبا في رقبته, ردود ونتائج طبيعية فهو نادراً ا ينام أو حتى يأخذ قسطاً من الراحة مداوم ممتاز على المنبهات فأكواب الشاي وأقداح القهوة تأتي وتذهب تباعا حتى ملت شفتاها معانقة شفتيه كم تمنيت أن أكون مكانها لألامس ... آه تسقط عيني على حقيبة ممهورة بختم احدى الدول الأوروبية أضحك وأرميها جانبا ما فائدة ذلك ؟ لم يكتف بالشهادة الجامعية دبلوم أعقبه آخر وثالث ورابع فالدراسة بالمراسلة أو حتى إقامة علاقات غير شرعية متوافرة عبر هذه الشبكة العنكبوتية المسماة (النت) وفعلا أرى من أطلق عليها هذا المسمى محقاً إلى درجة كبير فهي كالعنكبوت تصل أذرعه إلى أي مكان وتضفي على المنزل الذي يعيش فيه طابع الموت البطيء .. كتب مكتبات حتى حيت أسافر معه ليومين هنا أو هناك .. أسافر لأجد نفسي في دوامة لا تنتهي من المراجع والبحوث والكتب فاستجمامنا هو زيارة لمعارض الكتب هنا .. وهنالك .. أصابه هوس ولوثه عقلية بتكديس الشهادات نال المساتر .. وها هو يحضر للدكتوراه... أصبح ضيق الأفق نعم فهو منفعل لا فاعل فليس لديه أدنى اهتمامات ذاتية ليس لديه تساؤلات خاصة تفرض عليه البحث بل هو وعاء لمزيد من الكتب التي تصب فيه دون كلل أو ملل أجيبوني ما فائدة الشهادات دون مهارة في التعامل ودماثة في التواصل مع الناس و م ..معي؟ تحضرني عبارة جميلة للكاتب الرائع إبرهيم البليهي يقول فيها: إن عطاء المعلومات لا يؤثر في العقول مالم يحصل تغيير فكري ووجداني. إلا أن زوجي لديه تجاوزاً .. ثقافة تنقصها التطبيق ثقافة لنفسه أو للتشدق بها أمام مرأى الغير. هو كما هو بل أسوأ أما أنا فقد خلق وجودي المتكرر أمامه نوعا من الاغفال فأصبحت شيئا مألوفا لديه شيئا نزع التساؤل والاستفهام الذي طالما كان يدور في رأسه حتى يفوز بي كزوجة متميزة .. وعندما أخبره برغبتي في التواصل معه أو النقاش يجيبني ساخراً هل أظل أرمي الطعم للسمكة حتى بعد اصطيادها أرأيتم ! كنت سمكة اصطادها سمكة زينة و ... فقط . انا حقا سنبلة تحترق الكل ينظر إلي بعين الغبطة اتي لا تخلو من حسد أموال وشهادات (ويا الله من فضلك) وأنا أضيف أموال وشهادات ووحدة خانقة. أفكر في التغيير .. كيف استثير انتباهه بشيء فجائي أو طارىء، سأذهب إلى رؤيته مرتدية ثوبي الأسود وعقدي العاجي وسأتحلى بأقراط من اللؤلؤ، ربما ألفت نظره إلى جمالي الذي بدأ يزوي .. ويسبق فتح باب مكتبه ابتسامة مفتوحة من شفتي. ما رأيك ؟ أسأله؟ يجيبني ببرود واستفزاز .. هل تظنين نفسك الطفلة الصغيرة المدللة شارفت على الثلاثين من عمرك وتخبو الابتسامة وأغلق الباب وأبقى وحيدة مخبوءة كفيلم وثائقي مازال في العلب وأقرر أن يبدأ في أورقتي الداخلية تحول جذري هذا التجول انتشر ببطء وبرتابة احساس .. حاولت وأنا ابنه العائلة أن أتحرر من بعض قيوده إلا أني لم استطع وهأنا أخرج من سجن الألفة والاعتياد إلى عالم أبعد ما يكون عن أطواق التقاليد العمياء. أنا إنسانة وشخصية ترفض العيش دون حب .. وفجأة ينبت في داخلي جدار فاصل يمنع عقلي من الوصول إلى قلبي تماماً كجدار برلين الذي عزل بين عالمين كونيين لا يمكن بحال أن يتصالحا .. جفت الأفكار من عقلي كما تجف الأزهار في بطون الكتب !! أرفض القبوع في شرنقة الذات .. عدة سنوات وأنا أعيش كالميتة .. الآف من جثث الآمال تدفن في مقابر التجاهل والنسيان. سأجد ما يملأ وقتي سأحيا من جديد .. وفعلا اشتريت جهاز كمبيوتر آخر وضعته في غرفتي المنفردة أتصدقون اعيش كزوجة شابة جميلة في غرفة منفردة تحيطها الرغبات ويعتليها برد النسمات فقد اشترى زوجي سريرا له في غرفة مكتبه حتى لا يضطر إلى إضاعة وقته بالذهاب إلى غرفة نومنا لينال قسطا من الاسترخاء ليعاود الالتصاق بكرسيه أمام ( النت) عوالم مختلفة يعرضها (النت).. سيئة حسنة كل منا يملك الاختيار.. أنا سأتعرف على عالمه.. فلربما كان كالبحر يأخذ من يأخذ دون عودة وفعلاً بدأت بالتسمر أمام الشاشة.. ومرة بعد مرة وساعة بعد ساعة استهوتني المحادثات كطريقة لتمضية الوقت خاصة وأنا في إجازة استثنائية من مهنتي كمعلمة.. شباب وشابات أسماء مستعارة أو ما يطلق عليه ب (Neck Name) وحتى لو كانت حقيقية.. من يدري؟ من يكذب على من؟. ويمضي الوقت في البدء كنت متحفظة الا انني تجرعت زجاجة الانفتاح والقيت مفاتيح العقل لادخل في دوامة تبدأ بالاطراء على اسلوبي في التعبير والكتابة وتنتهي برغبته بمشاهدة صورتي تلك الصورة التي ستحدد الانطباع المستقر في ذهنه تجاهي. لا انكر باننا نحن الشرقيات نحب ان نسمع ونسمع كلمات المدح والاطراء.. اكثر مما نتكلم نحن نتكلم فقط.. عندما تبدأ كلمات الاطراء في الاحتضار.. فكرت في طلبه ليأتي طلبي في المقابل برؤية صورته الشخصية هو ايضا, وميض لمع في ذهني لارفض فكرة تبادل الصور واستبدالها بكاميرا الكمبيوتر التي تمكن كلا منا من رؤية الآخر دون خوف او وجل من الامساك بمستند كالصورة الشخصية على الاقل بالنسبة الي, وتأتي الموافقة لنبدأ معا في اكتشاف بعضنا للبعض الآخر.. ذلك الاكتشاف الذي يبقى في ذات اللحظة دون زوال. ويتم الاتفاق على فتح الكاميرا في المرة القادمة اثناء المحادثة.. لترك البصمة والانطباع الذي لا يزوال فالاتصال فيما بيننا مقيد بالكتابة حتى الآن. وتأتي لحظة الانشطار من هو ومن سأكون بالنسبة اليه وانا زوجة مقيدة لا يعلم بحقيقتها.. اتساءل من انا في هذه اللحظة واين سأكون.. والى اي طريق انا ماضية الا ان الشيطان يظهر ليهمس في اذني بان زوجك هو من دفعك الى فعل ذلك.. وتأتي لحظة الصفر لاراه ويراني.. حاولت التقاط انفاسي.. هل لي بفقدان ذاكرة اختياري.. عقد لساني من الدهشة.. تثلجت ملامحي.. فتجمدت الصورة امامي.. ماذا ارى انه.. انه هو.. هو زووجي!!