الوضع في العراق بعد نحو ستة اشهر من نقل السلطة للعراقيين يؤكد عدم وجود مؤشرات على توقف العنف والفوضى المتمثلة في هجمات المسلحين العراقيين على الأجانب وقوات الأمن العراقية أو عمليات زرع القنابل على جوانب الطرق بالإضافة إلى صدور أمر بالقبض على احمد الجلبي عضو الحكومة العراقية الذي اقنع التحالف الدولي بزعامة الولاياتالمتحدة بأن إسقاط نظام صدام حسين سيكون في منتهى السهولة. اما محاولات أياد علاوي رئيس الحكومة العراقية المؤقتة لإعادة الأمن بنجاحه في إقناع مقتدى الصدر بالجلوس على طاولة المفاوضات وإقناع الميليشيات المسلحة في بغداد وجنوب العراق بالذوبان التدريجي في الجيش الذي بدأت تقوى شوكته. اضافة الى ما قام به من إنجازات لوقف العنف وتوحيد الآراء، كعرضه للعفو الشامل خلال شهر لمن يسلم نفسه من الذين اقترفوا جرائم طفيفة ووصفت ذلك بأنه محاولة لسحب المعارضة الوطنية للمشاركة في العملية السياسية بدلا من النزاع المسلح. ان تصاعد أعمال العنف مجددا في أنحاء متفرقة من العراق وتجدد الاشتباكات بين قوات التحالف وجيش المهدي ، بالإضافة إلى تفشي الفوضى وعمليات السلب والنهب واختطاف الأجانب أدى إلى إلغاء عرض العفو ورفضت حكومة علاوي التفاوض مع اتباع الصدر في النجف وإعادة العمل بقوانين الإعدام كوسيلة للحد من تفشي الجريمة. كما ان إغلاق حكومة علاوي لمكتب قناة الجزيرة بدعوى ترويجها العنف والكراهية بين العراقيين. الواضح أن علاوي يميل إلى رسم نفسه في صورة الرجل القوي الذي يستطيع الأخذ بزمام الأمور و السيطرة على الأوضاع ومن ثم إعادة الأمن للعراق غير أنها تؤكد على فشل تلك الاستراتيجية إذا لم يصاحبها تقدم مواز على مسار العملية السياسية. الدليل أمر القبض الذي صدر بحق احمد الجلبي وابن أخيه سالم وتصوير الجلبي القضية على أنها جزء من حملة سياسية تهدف إلى إبعادهما عن المسرح السياسي مع امتناع واشنطن عن الدفاع عن الجلبي الذي تصفه بالمراوغ الذي كانت أقاويله عن أسلحة الدمار الشامل العراقية واستقبال العراقيين الحار لقوات التحالف بمثابة المعين الذي لا ينضب لأيديولوجيات إسقاط نظام صدام حسين. المهم أنه لا يمكن لواشنطن أن تفصل نفسها عما تمارسه الحكومة العراقية تحت دعوى حمايتها وأنه عندما يصل الأمر لحقوق الإنسان وحرية التعبير فانه لابد لها أن تتدخل لرسم الحدود التي يجب أن تلتزم بها بغداد في كفاحها من اجل بناء عراق ينفصل بمستقبله عن ماضي القهر المظلم .