تخلصت بريطانيا قبل زمن طويل عن صورتها كرجل أوروبا المريض. فاقتصادها يمضي على نحو مرض تماما منذ عشر سنوات مسجلا معدلات نمو تصل إلى نحو 5.3 في المئة. ولا يتوقف السياسيون البريطانيون مطلقا عن الاشارة إلى أن الاقتصاد البريطاني هو رابع أكبر اقتصاد في العالم الان بعد اقتصاد الولاياتالمتحدة واليابان وألمانيا وأنه سبق الاقتصاد الفرنسي. وتلمح دراسة أجريت مؤخرا إلى أنه في غضون عشرين عاما وباستقراء الاتجاهات الحالية فإن الاقتصاد البريطاني سيتجاوز نظيره الالماني.ونسبة البطالة حاليا تبلغ 8.4 في المائة وهي نسبة لم تتحقق على مدى جيل كامل كما أن نسبة التشغيل الفعلي بين البالغين في سن العمل تبلغ 75 في المئة. وهذا التغير في المناخ العام يبدو ملموسا لكل من يستطيع أن يتذكر بداية الثورة التاتشرية مطلع الثمانينات. وحلت سياسة الاستهلاك محل سياسة شد الاحزمة التي سادت في تلك الفترة. وصارت مستويات الضغوط الناتجة عن الاسراف في العمل لا الاحباط الناتج عن البطالة هي محور القلق الاجتماعي. والمؤشرات الاقتصادية إيجابية في معظمها. فالتضخم رغم ارتفاعه منخفض طبقا للمعايير الاوروبية. ويحافظ الجنية الاسترليني على وضعه خارج منطقة اليورو دون أي مشكلات من تلك التي كان المتشائمون يتنبأون بها. لكن قسما كبيرا من الاقتصاديين يرى سحابة ضخمة في الافق. وتساءل معلقون في صحيفة فايننشال تايمز: هل الاقتصاد البريطاني بسبيله إلى الخروج عن نطاق السيطرة. ويركز هؤلاء على مستويات ديون الافراد. فديون البريطانيين تصل الان إلى تريليون جنيه إسترليني (8.1 تريليون دولار) معظمها ديون عقارية.فثمة اندفاع من قبل المواطن البريطاني لتملك مسكن في ظاهرة لا ترى لها مثيلا في أوروبا ويكبل الشاب البريطاني نفسه بالديون الثقيلة كي يمتلك مسكنا بدلا من أن يستأجره. ومن ثم قفزت أسعار العقارات على مدى العقد الماضي لارقام خيالية ويضرب المثل في ذلك بمحل تنظيف بيع مؤخرا بمبلغ كون من ستة أرقام. وتجربة توني بلير في هذا الصدد خير دليل. ففور توليه منصب رئيس الوزراء باع منزله في ايسلنجتون شمال لندن مقابل نحو 600 الف جنيه إسترليني. وطرح هذا المنزل للبيع مؤخرا مقابل ثلاثة أضعاف هذا المبلغ. في خطاب لاحدى الصحف ذكرت ممرضة أنها وجدت أنه من "العار" أنها "تكسب" كل شهر من وراء تملكها منزلها أكثر مما تكسب من عملها. ويعد ملايين ممن يملكون منازل أنفسهم من الاثرياء الان ببساطة بسبب الطوب والاسمنت المحيط بهما كما أن أعداد أصحاب الملايين على أساس سعر ما يملكونه من عقارات صارت من الكبر بحيث لم يعد أحد يحسب عددهم الان.وهذا العامل بالتحديد يمحو ذكريات آخر انهيار في أسعار المنازل وكان ذلك في بداية التسعينات ويسهم في استمرار الانتعاش حاليا. ولكن بعض الاقتصاديين يتنبأون بنهاية هذا الانتعاش وحدوث تداعيات لهذا في غضون أشهر من الان.وتواجه مؤسسات الاقراض الاتهام بالتقاعس عن تنفيذ قواعد القانون وتشجيع مشتري المنازل على الاستدانة بقدر يفوق إمكاناتهم.