سخونة الاجواء الامنية السياسية في العراق تتزامن هذه الايام مع سخونة طقسه ، حيث تصل درجات الحرارة في العراق الى مستويات عالية تتجاوز في احيان كثيرة ال 50 درجة مئوية في اوقات الظهيرة ، مما يدفع الكثير الى ايقاف اعمالهم ،حتى تكاد الشوارع في العاصمة العراقيةبغداد تخلو من المارة في اوقات الظهيرة ، ويضاعف من سخونة الطقس الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي التي تصل احيانا الى 20 ساعة في اليوم الواحد . سخونة الطقس وانفراط الوضع الامني والقصف العشوائي للمنازل والانفجارات المفاجئة في الشوارع دفعت العراقيين للتوجه الى ضفاف دجلة او التجمع فوق بعض الجسور في بغداد للتمتع بنسمات دجلة التي تبدو ثقيلة بعض الشيء بسبب اصوات الطائرات الامريكية التي تحوم في سماء بغداد لساعات طويلة او بسبب الدوريات الامريكية التي غالبا ما تقطع الشوارع لساعات اخرى. وقد شجعت هذه الظاهرة الى قيام ما يشبه السياحة الداخلية البسيطة في ضفاف الانهار حيث توجه عشرات من الباعة المتجولين لفتح اكشاك ومطاعم متنقلة لتقديم الخدمات للعائلات التي تقضي اوقاتها هناك ،فبعض الصبية وجدوا في جسر الجادرية على نهر دجلة فسحة لهم لكسب المزيد من المال واعانة عائلاتهم الفقيرة التي شردها الجوع بعد فصل آبائهم من الوظائف فراحوا يبيعون المرطبات والحلوى وما شابه ذلك ما قد يضيف لهم دخلا جديدا ، وهم يفاجئون المحبين او العائلات ببعض ما لديهم وباسعار رخيصة تجتذب الكثير من الناس اليهم. ومع كل هذا فان القلق لا يبارح الكثيرين من هؤلاء الناس على ضفاف دجلة خاصة وهم يتابعون نشرات الاخبار العالمية المذاعة سواء في سياراتهم او في اجهزة الراديو التي يصطحبونها معهم ، والتي عادة ما تنقل اخبار الانفجارات او العمليات المسلحة في عموم المدن العراقية . فكثيرا ما تكون الاخبار سببا في زيادة القلق وتبديد المتعة التي يلوذون بها على ضفاف الانهار وقلقهم من تدهور الوضع الامني يوما بعد آخر . واحة الضفاف وسط صحراء الخوف هي وحدها الملاذ من القلق وفرصة الهروب من الصيف وحره وفسحة لشعور العراقيين بان هناك ثمة ما يستحق التشبث به بعد ان فقدوا كل ما يمت الى الهدوء والاستقرار بصلة ، فظلمات الليل والحواجز والاسلاك الشائكة والدوريات الامريكية المنتشرة في كل مكان رغم نقل السلطة لم تتمكن ان تبعد العراقيين عن نهر دجلة الذي ظل ملاذهم في السراء والضراء . ولكن فسحة الامل التي تبدو مصطنعة ولا تمس الحياة العراقية بعمق ولا تعبر عنها بوضوح ، ليست اكثر من محاولة للبحث عن الطمأنينة في بغداد التي يشعر اهلها بانهم خرجوا عن المألوف في حياتهم منذ الاحتلال حتى اليوم وانهم اصبحوا يعيشون في شبه جزيرة من عصور قديمة خاصة عندما ينقطع التيار الكهربائي عن احياء كثيرة في بغداد فيحولها الى ظلام دامس . غير ان الباحثين عن الطمأنينة لا يكتمون شعورهم بان لذة الفرصة التي ينعمون بها غالبا ما يعكرها مرور رتل امريكي ، او اصوات الطائرات المروحية الامريكية التي لا تترك سماء بغداد للنجوم كي يتمتع بها عشاق دجلة الخير. والعراقيون الذين يبددون حر الصيف القائظ بامسيات دجلة الخالد تتملكهم عدة قناعات منها ان الوضع الامني المتردي سوف لا ينتهي بسهولة ليفضي الى هدوء واستقرار مع استمرار وجود الاحتلال الامريكي وهذه القناعة على ما يبدو تحول كثيرا من الحديث بين العراقيين على ضفاف دجلة الى تحليلات سياسية وتوقعات لا تنتهي ومتابعة لما يجري ، حتى لتذهب احيانا الى ان تجعل امسيات دجلة سياسية بدل ان تكون متنفسا للخروج من ازمات السياسة وحر الصيف ، ولكن في كل الاحوال فان هذه الامسيات التي تستمر غالبا الى حدود الساعة الثانية عشرة ليلا تعبر عن وعي عراقي بما يجري حولهم ، وتدفعهم للتفكير في مستقبلهم الذي لا يخفي الخوف من قابل الايام .