أكدت المستشرقة والمؤرخة الأمريكية (إيفون هداد) أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة (ماساتشوستيش) أن الشعب الأمريكي يدرك في قرارة نفسه أن المسلم ليس إرهابياً ولا عدوانياً ولا يخشى من التعامل معه في جميع الحالات، وأن المستشرقين الذين يكتبون عن الإسلام بصورة غير موضوعية هم الذين نشروا الفزع في نفوس الشعب الأمريكي تجاه الإسلام والمسلمين في الفترة الأخيرة. وأوضحت هداد في حوارها ل(اليوم) أنه تم إنشاء لجنة للدفاع عن الإسلام في الولاياتالمتحدةالأمريكية تضم 20 استاذاً وأستاذة من المهتمين بالدراسات الإسلامية الأصيلة، وأن الإعلام الصهيوني في أمريكا قد اتهم أعضاء لجنة الدفاع عن الإسلام بمعاداة الصهيونية. وقالت هداد إن المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية قوة لا يستهان بها، وأن الإسلام هو أول دين سماوي عرف في الأمريكتين، وأن المسلمين قد استقروا بالشواطئ الأمريكية وذلك قبل الاكتشافات الجغرافية للأمريكتين، وتناول الحوار بعض القضايا الإسلامية المهمة.. إلى التفاصيل: مسيحية تدافع عن الإسلام @ بداية نرجو أن نتعرف على أهم أهداف زيارتكم للقاهرة.. وما أهم المباحثات التي أجريتموها مع قادة العمل الإسلامي في مصر؟ الزيارة تأتي من أجل إجراء مباحثات مع المسؤولين عن التعليم بجامعة الأزهر لإنشاء كلية إسلامية في واشنطن تطبق فيها مناهج التعليم الأزهري، وناقشت هذا الأمر مع رئيس جامعة الأزهر وعدد من عمداء الكليات الأزهرية، واتفقنا على تكوين لجنة لدراسة هذا المشروع واختيار المكان المناسب لإقامة هذه الكلية الإسلامية الأمريكية وعدد الأساتذة الذين سوف توفدهم جامعة الأزهر للقيام بمهمة التدريس فيها. وقد نظمت جامعة الأزهر ندوة تحدثت فيها إلى رئيس جامعة الأزهر وعمداء الكليات والأساتذة عن تاريخ الإسلام في أمريكا، وتناولت أن الإسلام هو أول دين سماوي عرف في الأمريكتين، حيث حمله معهم الأفارقة من المسلمين الذين وصلوا إلى الشواطئ الأمريكية قادمين من غرب القارة الأفريقية قبل حركة الكشوف الجغرافية، وذلك خلال مغامراتهم ورحلاتهم المتكررة لاكتشاف العالم الجديد في هذا الوقت المبكر. @ ما الدور الذي تقومين به من أجل الدفاع عن الإسلام في الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ أود بداية أن أوضح أنني مسيحية تدافع عن الإسلام وتبرز معطياته الحضارية الإيجابية لترقية المسيرة الإنسانية، لأن الدفاع عن الإسلام هو في جوهره دفاع عن الحق. وأنا أعتبر الإسلام في مقدمة الديانات السماوية التي صانت حقوق الإنسان عبر المراحل التاريخية المختلفة، وأنا أطالب جميع المستشرقين بضرورة دراسة الإسلام دراسة موضوعية بعيداً عن التعصب. وإزاء تطور الحركة الاستشراقية المعاصرة والإصرار الواضح لدى عدد كبير من المستشرقين لمعاداة الإسلام والمسلمين، فقد تأسس في واشنطن أول لجنة تضم أساتذة الدراسات الإسلامية بالجامعات الأمريكية، لإعداد دراسات موضوعية عن الإسلام ونشر العديد من الكتب حول حقائق الدين الإسلامي باعتباره الدين الذي يساوي بين البشر ويشجب التفرقة العنصرية ويصون كافة الحقوق الإنسانية. كما أصدرنا دراسة بعنوان (المغتربون) لإحدى الباحثات الأمريكيات - أكدت فيه على أهمية منح المسلمين في الولاياتالمتحدة كافة حقوقهم. أمريكا تخاف @ الواقع المعاصر يؤكد أن أمريكا تخاف من المسلمين وتتعامل معهم بريبة وشك.. في رأيك من هم الذين زرعوا هذه المخاوف الباطلة لدى السلطات الأمريكية والشعب الأمريكي؟ * هناك عدد كبير من المستشرقين في كل أنحاء العالم يكتبون عن الإسلام بصورة غير موضوعية، وهؤلاء هم الذين روجوا أن الإسلام هو الخطر المقبل الذي يجب التصدي له، وهؤلاء أيضاً هم الذين نشروا الفزع والرعب في نفوس الشعب الأمريكي تجاه الإسلام والمسلمين. واسمحوا لي أن أروي لكم قصة صحفية أمريكية تخاف من جيرانها المسلمين، فاتصلت بي قائلة إنها تريد أن تكتب عن الإسلام ولكنها تخاف على نفسها من الجيران المسلمين، فطلبت منها أن تزورهم وتتعامل معهم وتناقشهم في كل القضايا التي ترغب في معرفتها عن الإسلام والمسلمين، وفعلت الصحفية الأمريكية ذلك وزارت الأسر المسلمة من جيرانها وعايشتهم، ثم اتصلت بي بعد مدة لتؤكد لي أن المسلمين مسالمون ومتفهمون ولا خوف منهم. ولما قامت الصحفية الأمريكية بنشر موضوعها عن الإسلام والمسلمين في صحيفتها، حدثت حالات من الانفتاح والاتصال بين الأمريكيين والمسلمين، وتلاشت حالة الانزواء والخوف التي كانت سائدة لدى الأسر الأمريكية، ووصل الشعب الأمريكي إلى حقيقة مهمة، وهى أن الإعلام الأمريكي والصهيوني يسئ كثيراً إلى المسلمين. مؤرخة الصحوة @ يعرف عنكم أنك مؤرخة الصحوة الإسلامية في أمريكا.. فما تحليلكم لواقع الصحوة الإسلامية الأمريكية المعاصرة؟ أقول بكل صراحة إن الصحوة الإسلامية على المستوى العالمي والأمريكي حقيقة واقعة.. وهذه الصحوة هى التي أدت إلى تضامن المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهى التي أدت إلى هذا التعاطف الذي تبديه الدول الإسلامية تجاه الأقليات المسلمة، وهى أيضاً التي أنعشت دور الدبلوماسية الإسلامية التي تقودها المملكة العربية السعودية ومصر والكويت وبعض الدول الإسلامية الأخرى، للحفاظ على المكاسب التي حققها المسلمون في بلدان العالم، ودعم مؤسساتهم الإسلامية في مجالات الدعوة والتعليم والإعلام، ولولا الصحوة ما بلغت الأقليات المسلمة في العالم هذا المبلغ في الحصول على مزيد من الحقوق بالمجتمعات التي يعيشون فيها. لقد أنشأنا في الولاياتالمتحدةالأمريكية لجنة للدفاع عن الإسلام وتضم هذه اللجنة 20 أستاذاً وأستاذة من المهتمين بالدراسات الإسلامية، ويطلق علينا في أمريكا لقب أعداء الصهيونية لأن كل من ليس مع الصهيونية فهو عدو لها وفقا للمنهج الصهيوني. لذا فإننا نؤكد للشعب الأمريكي إن الصهيونية ليست ديناً.. إنما هى نظرية سياسية للشعب اليهودي. @ ما موقف الشعب الأمريكي من الدراسات التي تنشرونها حول الإسلام؟ وهل تخيفكم تهمة العداء للصهيونية؟ في هذا المجال أود أن أوضح أنه عندما يتحدث المسيحي عن الإسلام ويدافع عنه فإنه غير المسلم الذي اعتنق الإسلام ودافع عنه.. لأن ذلك يرتكز على نقطة أساسية وهى أن دفاع المسلم عن الإسلام نابع عن عقيدة اعتقدها واقتنع بها، ونحن ندافع عن الإسلام وان كنا من المسيحيين والمسيحيات - لأننا ندافع عن الحق، والشعب الأمريكي يستوعب أفكارنا عن الإسلام أكثر مما يستوعبه من المفكرين والباحثين الذين اعتنقوا الإسلام مثل جارودي وهوفمان وغيرهما. وبالرغم من أن المفكر الفرنسي المسلم جارودي قد وجهت إليه تهمة معاداة الصهيونية، فأنا لا أقرأ ل(جارودي) ولا أتعلم عنه الإسلام لأنني لا أعتبره مصدراً إسلاميا، فحين أريد أن أتعلم الإسلام أتعلمه على أيدي أساتذة من المملكة العربية السعودية والأزهر وكبار المفكرين المسلمين في الوطن العربي. تناقض واضح @ تزداد الرغبة العالمية في توسيع دائرة الحوار الإسلامي - المسيحي، فهل ترين أن الحوار يعمق التفاهم بين الشعوب لتحقيق الأمن والاستقرار وتلاشي المخاوف المدعاة؟ * لابد أن أكون واضحة وأنا أجيب عن هذا السؤال، فالحوار بين المسلمين والمسيحيين يستخدم كعمل دعوي من الجانب الإسلامي، بينما يستعمل باعتباره عملاً تبشيرياً لدى الطرف المسيحي، لذا فإن الحوار الإسلامي - المسيحي مازال محفوفاً بالعديد من المخاطر. والكنائس التقدمية التي أعمل معها في الولاياتالمتحدةالأمريكية ترى أن الحوار الإسلامي - المسيحي يجب أن يبعد عن تحقيق الأهداف الدعوية أو التبشيرية على حد سواء، وأن يكون الحوار من أجل التفاهم حول القضايا الإنسانية العامة، وذلك حتى لا يكون الحوار الإسلامي - المسيحي تطاحناً بين أتباع الديانتين، وإنما من أجل إرساء معاني المودة والأخوة، وهذا ما تعمل له الكنائس التقدمية الأمريكية. والكنائس الأمريكية توجه الدعوات إلى علماء الإسلام للحضور إلى الكنائس والقاء المحاضرات عن الإسلام، وتدعو المسلمين والمسيحيين لحضور هذه الندوات الدينية، وهذا أمر مهم بالنسبة للشعب الأمريكي، لأن تنمية العلاقات الاجتماعية بين الطرفين ضرورة معاصرة، وأنا أدرك تماماً أن الشعب الأمريكي يدرك في قرارة نفسه، أن المسلم ليس ارهابياً أو عدوانياً ولا يخشى من التعامل معه في جميع الحالات وفي كافة الظروف حتى في الحالات التي تتأزم فيها العلاقات بين الطرفين. @ إذا عدنا إلى واقع المجتمع الأمريكي في الثلاثينيات وما قبلها، حيث التفرقة العنصرية والاضطهاد الديني وتلاشي حقوق الإنسان، فهل ترين أن كل هذه السلبيات كانت وراء حركة الإقبال الجماعي على اعتناق الإسلام؟ من خلال الدراسات التي قمت بها بالاشتراك مع عدد من الأساتذة المتخصصين في الدراسات الإسلامية، نرى أن جماعات إسلامية قادمة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية من دول إسلامية آسيوية وافريقية قد اشعلت صحوة المسلمين بالولاياتالمتحدةالأمريكية ودفعت المسلمين من أصل أفريقي للعمل على استرداد هويتهم الإسلامية والتمرد على نظام الرق والتفرقة العنصرية والمطالبة بأن ينالوا حقوقهم الإنسانية في مجتمع أمريكي يرفل بالرفاهية، وكانت تلك الصحوة الإسلامية المبكرة بالمجتمع الأمريكي في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر الميلادي. وظهر في الساحة الإسلامية زعماء أذكر منهم صوفي عبدالحميد وإلياس محمد اللذين أسسا جماعة البلاليين، وكان إليجا محمد من أبرز قادة العمل الإسلامي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد اعتنق الأفارقة أو سود أمريكا الإسلام حباً في الإسلام ولكن معرفتهم بحقائق الإسلام لم تكن كافية لإعطاء الشعب الأمريكي صورة طيبة عن الإسلام والمسلمين. @ ما أهم مراحل التنوير بحقائق وهدايات الدين الإسلامي بالمجتمع الأمريكي؟ بدأت مرحلة جديدة من تاريخ العمل الإسلامي بالولاياتالمتحدةالأمريكية، عندما ساهمت الدول العربية والإسلامية في انشاء المركز الإسلامي في واشنطن والذي وضع حجر أساسه في يناير عام 1949م، وحرصت الدول الإسلامية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ومصر والأردن. على إيفاد دعاتها للعمل بين المسلمين.. لشرح مفاهيم الإسلام وهداياته لهم وتخليص العمل الإسلامي من اتباع النحل الضالة والمنحرفة. لقد توافر في ساحة العمل الدعوي والتعليمي في الولاياتالمتحدةالأمريكية دعاة من السعودية ومن الأزهر، كما قامت المؤسسات الإسلامية بالدول العربية باستقدام أبناء المسلمين من أمثال (مالكولم إكس) ووارث الدين بن إليجيا محمد للدراسة بالأزهر وأداء فريضة الحج وزيارة المؤسسات الإسلامية بالمملكة العربية السعودية. كما تأسس بعد ذلك العديد من المراكز والمدارس الإسلامية بمدن الولاياتالمتحدةالأمريكية، فاتجهت الدعوة نحو المسار الصحيح، حتى أصبح الوجود الإسلامي له ثقل كبير ودور فعال في تعريف الشعب الأمريكي بحقائق إيجابية عن الإسلام والمسلمين. في المهد @ هل تعتقدين أن المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية لهم إعلام قوي يمكنه مواجهة الإعلام الصهيوني؟ * الإعلام الإسلامي في الولاياتالمتحدةالأمريكية مازال في المهد حقيقة، ولا يمكن أن يقال بقدرته على مواجهة الإعلام الصهيوني أو الإعلام الأمريكي بصفة عامة، فتوجد إذاعات إسلامية تبث برامجها من مقار المراكز الإسلامية ويصل ارسالها الى بعض الدول في القارة الأمريكية كما أسهمت المؤسسات الإسلامية في انشاء قنوات تلفزيونية خاصة بها أو تقوم باستئجار مساحات زمنية بمحطات التليفزيون الأمريكية لإذاعة البرامج الدينية خاصة في شهر رمضان من كل عام. كما نظم المسلمون عدداً من المسيرات السلمية التي لفتت انتباه واهتمام الرأي العام الأمريكي ومنها مسيرة المليون مسلم التي نظمها في واشنطن في 16 اكتوبر عام 1995 ميلادية (لويس فرقان) الذي طالب المسلمين بالتمسك بتعاليم الإسلام والأخلاقيات الإسلامية. @ يوجد العديد من الدراسات التي تؤكد أن المسلمين هم الذين اكتشفوا الأمريكيتين.. فما تعليقكم على هذه الدراسات؟ يوجد بالفعل بعض الآثار الإسلامية التي تسبق اكتشاف الغرب لأمريكا.. والدراسات التي كتبها المسلمون تبرز هذه المسألة، فتقول بعض الدراسات أن المسلمين هم الذين اكتشفوا هذه القارة، وقد عثر منذ سنوات على خرائط للبحارة المسلم أحمد الادريسي مودعة في مكتبة كولمبس وكثير من المؤرخين المسلمين يذكرون ذلك في دراساتهم. وتدور أغلبية هذه الدراسات حول العثور على آثار مكتوبة على الصخر في 90 موقعاً بأمريكا الجنوبية والوسطى كتبت بلغات افريقية وأن ملوك امبراطورية مالي الافريقية ومنهم منسا موسى قد ارسلوا حملات لاكتشاف الامريكيتين كما تناولت المؤلفات الإسلامية التي وضعها المسعودي ان المسلمين من قرطبة قد هاجروا إلى أمريكا، وقد وضع المسعودي كتابه في عام 339هجرية (956م). كما أشارت مؤلفات أخرى إلى العثور على عملات عربية - إسلامية في أمريكا يعود تاريخها إلى القرن الثامن الهجري. وأنا لست متخصصة في الآثار الإسلامية حتى أدلي برأيي في هذا المجال، وإنما أؤرخ للفكر الإسلامي والصحوة الإسلامية. وقد أصدرت حتى الآن أربعة كتب تضم العديد من الدراسات لتثقيف الشعب الأمريكي وتنبيهه إلى ضرورة الاهتمام بالوجود الإسلامي المتنامي وأن يتعامل مع المسلمين وأن يبادلهم الثقة لأنهم أصحاب رسالة سماوية صادقة.