منذ اختارت اليهودية أرض فلسطين وطناً لها وجدت نفسها في مواجهة مع شعوب وأمم متكاثرة كلها متشبثة بملكية الأرض، فكل من ولد في تلك الارض قبل وجود اليهودية والمسيحية والاسلام اعتبر نفسه صاحب الارض من منطلق الاسبقية فكل من ادعاها قبل غيره كان الأحق بالتعامل معه على أنه صاحبها لم يغالِ اللبنانيون خلافاً للكثير من الدول العربية في مدح رؤسائهم ولكنهم لم يقصروا خصوصاً في لغتهم العامية بوصف جمال الطبيعة اللبنانية كقول الشاعر: لبنان يا قطعة سما، والحمد لله ان ذلك كان مقصوراً على الشعر الزجلي حيث المبالغة مطلوبة عادة وليست مسموحاً بها فقط. أما في الفصحى فهناك التزام فيها بالمألوف على أدق صورة. بل إن اللبنانيين والمسيحيين منهم خصوصاً ملتزمون عادة بهذا النهج أكثر من سواهم فالشاعر المسيحي القديم الأخطل كان ممدوحا ومكرَّما من الجمهور على أنه من فحول اللغة، وهناك روايات تقال عنه إنه كان يمدح الملوك المسلمين والصليب مرسوم على صدره، بما يشهد للتراث الثقافي العربي بأنه لم يكن يتأثر بالصبغة الدينية في تقييم مراتب الشعراء. هكذا كان الوضع في عصور الخلفاء وهكذا استمر في العصرين الأموي والعباسي وما بعدهما، مما لم يحصل شبيه له في تواريخ دول كثيرة آسيوية وأفريقية وأندلسية. وإذا كان المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون قد أشار الى ذلك أكثر من مرة في كتاباته فإن غيره أيضاً بقي على هذه السنة، لا سيما في الأندلس حيث كان التقدير قائماً على أساس جودة الانتاج الادبي بقطع النظر عن أي اعتبار آخر، وهنا لا بد من القول إن الاسلام في الاندلس رعى الانتاج الثقافي بقطع النظر عن دين الكاتب والشاعر فهذه وإن منعها المسلمون عسكرياً إلا أنهم تصرفوا تصرف أهلها من المسيحيين وربما أفضل. ولوبون هو الذي قال: "ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب"، الا إنه لم يتفرد في ذلك بل إن عدداً كبيراً من المستشرقين الفرنسيين والاسبانيين والطليان التزموا هذه الروحية في تقديم الكتابات العربية لمسلمين بارزين ذوي مكانة في بلادهم. فهذه المقولة على عكس ما أرادت أن تقوله الكتب المؤلفة بغاية النيل من دور العرب والمسلمين في تاريخ البشرية. وحسب ما قال أحدهم إن الحملة على العروبة والاسلام تديرها جهات متخصصة بالعداء للعروبة والاسلام، وإذا لم يواجهها المسلمون العرب المتضررون من هذه الحملة الظالمة فإن النيل المنظم من سمعة العرب والمسلمين سيستمر وقد يتفاقم الى درجة لا تبقي مجالاً للتفكير العلمي النزيه الذي يحتاجه العرب والمسلمون في هذه الأيام. ذلك ان شهادة غوستاف لوبون بتميز العرب عن غيرهم في التعامل مع البلدان التي فتحوها أعطت الشعب العربي سمعة لم يحصل عليها غيره سواء في أوروبا أو آسيا وهي شهادة للحضارة العربية وللاسلام بالتفوق الخلقي والانساني بين الشعوب. فالاسلام تعامل مع المسيحية واليهودية على أنهما دينان سماويان كان لهما فضل على شعوب العالم بالتعامل الانساني السمح مع الأديان الأخرى كالدينين اليهودي والمسيحي بصورة خاصة الأمر الذي لم يفعله لا المسيحيون ولا اليهود. وإذا كان هذا يعتبر تفوقاً في التعامل مع الآخرين سبق المسلمون فيه سواهم من الأديان فهي شهادة تعطي الاسلام مكانة خاصة. فالاسلام اعترف باليهودية والمسيحية وأنزلهما منزلة خاصة بل هو اعتبر الثلاثة أسرة واحدة سماوية التوجه. فهنا سبق نوعي للاسلام على الديانات الأخرى جاء تبرؤاً من سلوكيات مارستها الأديان الأخرى المسماة بالأديان السماوية وهو اسم وضعه الاسلام يكرم به الدينين الآخرين. وحسب الاسلام أنه افتخر بأنه جاء مصدقاً ما قبله من كتب بينما لم تفعل الأديان الأخرى كالدينين المسيحي واليهودي الشيء نفسه. وإذا كانت اليهودية تفتخر أنها أقدم الأديان السماوية فإن الاسلام قال بأنه آخر الأديان يزيد وحدة الأديان السماوية لا تسابقها وتناحرها. وهو أمر لو قال به غير المسلمين لكانت الأديان كلها ديناً واحداً أو كالواحد مما هو خطوة جبارة في تاريخ الانسانية جمعاء. على طريق التقارب والتوحيد والانتماء المشترك لأسرة الأديان السماوية التي تسمى كذلك في ايامنا هذه من دون أن تجري خطوات جادة على هذا الطريق. وليست القضية الفلسطينية واحدة من القضايا العربية والاسلامية، بل هي قضية القضايا في كل المنطقة سواء أكان إسلامياً أم عربياً أم عالمياً. وفيما أخذت الصهيونية كل ما تريد من العرب والمسلمين بل من العالم أجمع. يبقى السؤال هل تراجعت الأمة عن فلسطين أهم وطن عربي واسلامي ومسيحي معاً وبقيادة جهة لا هي عربية ولا هي مسلمة، بل ولا هي مسيحية أيضاً، بل هي انطلاقة جديدة كلياً أعطيت لأعداء العرب والمسلمين والمسيحيين الشرقيين، بل والمسيحيين بالمطلق، بها أخذت القوى الدولية كل شيء من العرب والمسلمين والمسيحيين لتعطيه للصهيونية حتى على حساب الغرب كغرب، والمسيحيين ومن اليهود غير الصهاينة. انطلق عملها على حساب الاسلام والمسيحية وربما اليهودية غير المتصهينة أيضاً. أخذت الصهيونية كل شيء نملكه من لا يملك شيئاً، أي الفلسطيني العربي المصادر منه سلفاً كل ما يملك أو كلما كان يريد أن يملك لتعطيها لجهة واحدة هي إسرائيل الدولة والجغرافيا والتاريخ. قبل أن يكون لها أي ملكية شرعية لأي جهة كانت قائمة أو ستقوم أو يمكن أن تقوم. أما المأخوذ منهم الأرض والدولة والكيان الذاتي أو العام الذي كان قائماً أو يمكن أن يقوم. سلخت فلسطين الجغرافيا والتاريخ والماضي والمشروع الذي قد يفكر أحد أن يقوم. أخذت اسرائيل كل الحصص لكل الجهات للماضي والحاضر والمستقبل. صفقة أخذت لاسرائيل من كل من ملك أو كان يمكن أن يملك أو سيملك من قادر أو غير قادر أو حالم. هو اليهودي التاريخي الذي كان يملك أو لم يملك في يوم من الأيام. منذ اختارت اليهودية أرض فلسطين وطناً لها وجدت نفسها في مواجهة مع شعوب وأمم متكاثرة كلها متشبثة بملكية الأرض، فكل من ولد في تلك الارض قبل وجود اليهودية والمسيحية والاسلام اعتبر نفسه صاحب الارض من منطلق الاسبقية فكل من ادعاها قبل غيره كان الأحق بالتعامل معه على أنه صاحبها. إما أن يأخذها من دون استئذان أو تعطى له من دون أخذ ورد. ولما كانت اليهودية هي الدين السماوي الاول فمن الطبيعي أن يكونوا أول من طلبها لنفسه وكانت له على هذا الاساس. هذا هو المنطق الاسرائيلي اليوم الذي يرى نفسه سابقاً للمسيحية والاسلام في ارض فلسطين. وقد كان موقعه السلطة البريطانية في فلسطين تتصرف في القضية الفلسطينية على هذا الاساس. ان العالمين العربي والاسلامي يدهشان بألم وتعجب واستغراب كيف ان الولاياتالمتحدة الاميركية التي تعرف قيمة وأهمية العالمين العربي والاسلامي لا تزال متأثرة بالصغير والكبير من مصالح اسرائيل والصهيونية المزعومة في المنطقة العربية والاسلامية، في الوقت الذي يتطلع فيه الشباب العربي الذي يدرس في الجامعات الاميركية ومنها جامعة بيروت بالذات بالقرار كيف ان الولاياتالمتحدة الاميركية لا تزال تراعي الصهيونية واسرائيل في الصغيرة والكبيرة من الحسابات، بينما تنسى أهمية الصلات بين الشباب العربي والجامعة الاميركية في بيروت التي يفخر بها الشبان العرب الذين تخرجوا فيها واضعين الامل في صحوة عند الولاياتالمتحدة الاميركية على اهمية التفاعل بين الشباب العربي الجامعي وهذه النوعية من الجامعات التي يتعاطف معها العرب بقدر ما تظهر الجامعات والمؤسسات الأميركية تفاعلها مع الشباب العربي الحريص على نهضة أمة العرب ومستقبل شبابها. فهي علاقة مشرفة ومفيدة للطرفين تحقد عليها الصهيونية كل الحقد..