إتاحة تخصيص عقارات الدولة لأكثر من جهة حكومية    السجن مدى الحياة ل«مغتصب التلميذات» في جنوب أفريقيا    خوفاً من الورثة.. مغربية تحتفظ بجثة والدتها !    6 توصيات لتعزيز الهوية الثقافية ودعم الاستثمار في تعليم اللغة العربية محلياً و دولياً    إسرائيل تقصف الضاحية.. مصير خليفة نصر الله غامض    ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية    هل أوقف الاتحاد الدولي المُلاكمة الجزائرية إيمان خليف وجردها من ألقابها ؟    في مباراة الفريق أمام الرياض .. القادسية يحتفي بوزير الإعلام "الدوسري"    عبدالعزيز بن سلمان يشارك في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة    الفتح يختتم تحضيراته لمواجهة التعاون    جمعية الأدب تعتمد 80 سفيراً في 30 مدينة    الهيئة السعودية للسياحة تطلق تقويم فعاليات «شتاء السعودية»    الخليج يعبر الخلود بهدف في دوري روشن السعودي للمحترفين    ميندي يوجه رسالة لجماهير الأهلي    مدرب القادسية يُفسر الخسارة أمام الرياض    الشباب يتعرض للخسارة أمام ضمك    الجيش الأميركي يعلن قصف 15 هدفا للحوثيين في اليمن    مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي القاضي وآغا في فقيدتهم    محافظ الطائف يعزي أسرة الحميدي في فقيدهم    تعليم مكة : 1485 مدرسة تحتفي بأكثر من 30 ألف معلم ومعلمة في يوم المعلم    لوحة «ص ق ر 2024» لمركبة «المرور» تلفت أنظار زوار «الداخلية» في معرض الصقور والصيد    رصد طائر «سمنة الصخور الزرقاء» في الحدود الشمالية    القبض على (4) يمنيين في جازان لتهريبهم (120) كجم "قات"    الوطنية للإسكان NHC تكشف مزايا ومكونات حديقة خزام الكبرى شمال الرياض    الجيش الإسرائيلي يستعد لتوسيع عملياته البرية في جنوب لبنان    انطلاق حملة الحي يحييك للاحياء السكنية بالمنطقة الشرقية    تعرف على غيابات الأهلي عن الكلاسيكو أمام الهلال    ب 3 مناطق.. مركز «911» يتلقى 98 ألف مكالمة خلال 24 ساعة    تجمع الرياض الصحي الأول يكرم 14 استشارياً    إمام المسجد النبوي: آية ((إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) تحمل في طياتها معاني عميقة    وفاة 866 شخصًا بمرض جدري القردة في أفريقيا    "الصحة العالمية"تستعدّ للقيام بالجولة الثانية لتلقيح أطفال غزة ضدّ شلل الأطفال    أثر الشخصية واللغة والأمكنة في رواية «الصريم» لأحمد السماري    أحلام على قارعة الطريق!    «زلزال الضاحية».. ومصير حزب الله    غريبٌ.. كأنّي أنا..!    ذكورية النقد وأنثوية الحكاية.. جدل قديم يتجدّد    إنجاز في ملف «البطالة»    الشاهي للنساء!    اختتام مشاركة الهلال الأحمر في المعرض التفاعلي الأول للتصلب    كتب الأندية الأدبية تفتقر إلى الرواج لضعف التسويق    محافظ الطائف يلتقي مدير جمعية الثقافة والفنون    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    90 مبادرة لأمانة الطائف تعزز الوعي البيئي وتدعم الاستدامة الخضراء    أمانة الطائف توقع عقد إنشاء مشروع (قبة الفراشات) بمساحة ٣٣ ألف م٢    درجات أم دركات معرفية؟    معالي وزير العدل    2238 مصابا بالناعور في 2023    تعيين عدد من الأئمة في الحرمين الشريفين    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    بدء الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لبحث التحرك العربي للتضامن مع لبنان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    تثمين المواقع    مملكة العز والإباء في عامها الرابع والتسعين    وزير الداخلية يعزي ذوي شهيد الواجب أكرم الجهني    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدب الحوار..؟؟
نشر في اليوم يوم 08 - 07 - 2004

الحوار في الأساس هو وسيلة التعارف الذي أمر به الله الشعوب والقبائل وأول ما يجب أن يتوفر في أسلوب الحوار ومنهجه، الحكمة، فلا ينقاد للهوى والرغبة في الظهور والتقليد الأعمى والتعصب للرأي وعدم احترام كل طرف رأى الطرف الآخر، مما يفقد الحوار الفائدة المرجوة، بل قد يؤدي هذا الأسلوب إلى تفاقم الخلاف.
ويجب أن يلتزم المتحاورون بموضوع الحوار فلا يتجاوزونه إلى مسائل جانبية، فتطمس الحقيقة، ويتشتت الفكر.. والخلاف والاختلاف أمر طبعي وسنة من سنن الله في خلقه، والحوار المستنير هو صمام الأمان لطرح مشروع الإصلاح المدروس، هذا هو المنهج العلمي للحوار في الإسلام.
وليس من قبيل المبالغة القول ان القيادة السعودية في هذا الصدد هي التي تقود عملية التطور السياسي. ومن هنا جاءت لقاءات الحوار الوطني، وحظي برعاية واهتمام ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني، سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي رأى تكرار التجربة. واستجابة لتوصيات اللقاء الفكري الأول تمت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز على إنشاء (مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني) هذا المركز سيكون نقطة ارتكاز هامة لتأصيل الحوار ووضع الأسس العلمية لتفعيله واثراء دراساته وأبحاثه وسيكون له الأثر البالغ في استشراف المستقبل.
وقد حرص سمو ولي العهد على تأكيد كل هذه المعاني والمضامين الحميدة في كلمته التاريخية التي وجهها الى المواطنين بعد انتهاء اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري الذي عقد بجوار بيت الله الحرام في مكة المكرمة وكان موضوعه (الغلو والاعتدال رؤية منهجية شاملة) وكان لها اثر كبير في تعميق الوعي الحواري كما وصفه الاسلام, وقد لخصت الآية الكريمة ما يجب أن يتصف به الحوار الإسلامي من معان رفيعة سامية (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة , وجادلهم بالتي هي احسن, ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين) النحل 125 هذه الاية الكريمة تدعو الى أن يكون الحوار بأسلوب حضاري سمح كريم يحافظ على العلاقة الطيبة والمودة القائمة.
لقد بين سموه أهمية الحوار كإطار للحركة والفعالية وأسلوب للعمل على مستوى التربية والتثقيف والتوجيه ضمن الثوابت التي يقوم عليها مجتمعنا.
اذ قال سموه(ان الحوار من حيث المبدأ ظاهرة إيجابية صحية الا اننا يجب أن نحرص كل الحرص حتى لا تتحول النعمة الى نقمة والى حوار لا يلتزم بمنهج الحوار وقواعده وادابه يتحول إلى فوضى لا تغني ولا تسمن من جوع , وتضر ولا تنفع).
من حيث المبدأ يكون الحوار ظاهرة إيجابية , ومظهرا حضاريا يعكس تطور المجتمع وتقدمه , ولن يكون الحوار له قيمة ومصداقية اذا تجاوز حدود المعقول واختلطت الأمور والأوامر الأصيلة بالشعارات المصطنعة الزائفة فلابد أن ينتظم الحوار ضوابط تحمي مساره من أن ينحدر الى مزالق الفوضى.
ولا يقبل الاحتجاج بحرية الرأي , فان الحرية في الإسلام حرية منطقية ومتزنة , والمنظم يراعي عند تقريرها مصلحة المجتمع وعدم إلحاق الضرر بالآخرين وحريتهم كذلك , لأن الإسلام حين يقيد من حرية الفرد في إنزال الضرر بغيره, إنما يحمي الآخرين بنفس القدر الذي يحمي الفرد نفسه في ذات الوقت , والإسلام يدعو إلى حرية متعقلة عن علم وبصيرة.
ان اللقاء الفكري للحوار الوطني خيار وطني يفتح افاق الفكر بطرح مشروع التحديث والإصلاح ويضعه على خريطة اهتمام الدولة في عالم متغير , لذا كان الحوار منطلقا هاما لتحقيق الاندماج الكامل للوطن مع كل ما تتطلبه المرحلة من دعم القدرة على تواصل الأجيال وضمان استمرارية العطاء ومواجهة التحديات التي يصطرع بها عالم اليوم في غمار طفراته العلمية والتقنية المتواصلة , لذا كان حرص سمو ولي العهد ان يكون الحوار إيجابيا تسوده روح الاخوة الإسلامية , يوفر المناخ الملائم لمزيد من الفكر الصافي المخلص, وقد قال سموه عند استقباله الذين شاركوا في اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري في مكة المكرمة (هذه خدمة لن ينساها لكم التاريخ لأنها خدمة دين ووطن).
والحوار الهادئ في ظل قيم الاعتدال والتسامح هو الذي يعزز الوحدة الوطنية ويوفر غطاء شعبيا يضاعف الجهد المبذول في سبيل تحقيق الإصلاح المنشود .. أما الصوت العالي والصراخ فهو دليل ضعف وليس دليل قوة.
وقد روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (ان ابغض الرجال الى الله الألد الخصم), والألد هو الدائم الخصومة, وهو الذي لا يميل الى الحق متى اتضح وجهه , ولكنه يظل عاريا ويجادل بالباطل , لأنه لا يريد في الحوار ان تظهر الحقيقة , بل يريد الغلبة والسيطرة , ومنهم من يريد بذر الشقاق والخلاف وإشعال الضغائن , وهؤلاء هم الذين يكرههم الإسلام ويقول الله عنهم.
(وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل).
ان المفاهيم السيئة والأفكار الخاطئة التي يحاول البعض ترويجها تحت دعوى حرية الرأي مردود عليها بأن الحرية المسؤولة هي حرية البناء لا حرية الهدم , وقوة دفع لاستقرار الحياة ورقيها في اطار الثوابت الدينية والاجتماعية , فالعالم من حولنا في تطور مستمر في شتى المناحي والاتجاهات , ويجب ان نلحق بقطار التحديث حتى لا نتخلف عن مسيرة التاريخ , ونظل جامدين أمام الحياة المتحركة, ولا يعني هذا أن نقبل كل جديد على علاته.
ان الطريق السليم هو أن يتصدى العلماء لكل موقف جديد ليقيسوه على مبادئ الإسلام ونصوصه ومقاصده العامة, باذلين جهدهم في فهم تلك المبادئ وتفسير النصوص , وفي فهم الواقع الجديد والمواقف المستحدثة ليقيسوها على تلك المبادئ والنصوص وفي السعي الجاد مع الجماعة ككل الى اكتشاف المصالح والمفاسد التي تتحقق أو تفوت بقبول الجديد من الأوضاع والنظم واشكال الحياة.
فحيثما وجد النص التشريعي القطعي فلا موضع لاجتهاد فردي أو جماعي إلا أن يكون اجتهادا في التطبيق والتفسير وفي كيفية إنزال حكم القاعدة الملزمة على الوقائع المتجددة والظروف المتغيرة.
من هنا جاء خطاب سمو ولي العهد متضمنا حرصه على منهج الحوار الإسلامي الذي يجب ان يكون سليم الهدف يحمي المجتمع الإسلامي من استهواء الشعارات الغربية التي تكن الحقد للإسلام والمسلمين, حيث أكد سموه (انه لن يرضى أن يمس أحد كائنا من كان العقيدة الإسلامية لهذا الوطن باسم حرية الرأي او بأي اسم آخر, ان مجتمعنا يستمد كل مقومات وجوده من الدستور الإلهي القرآن الكريم والسنة المطهرة وأي تعرض لهذا الدستور الالهي يعني طعن الوطن في الصميم.
ان هذا الوطن اما أن يكون مسلما أو لا يكون على الإطلاق وسوف يظل ان شاء الله وطنا مسلما حرا عربيا يتمتع كل مواطنيه بالعزة والكرامة والأمان لا فرق بين مواطن ومواطن). هذه هي معالم الطريق في هذا المسعى لخير وطننا فالقضية ليست الا نختلف , وانما هي أن نتعاون على الخير وعلى حماية قيمنا واخلاقنا الإسلامية حين نختلف.
القفز في الظلام
ولا شك في أن قيمة الأمم تتجلى في قدرتها على ملاحقة أسباب التطور والتحديث , مع تمسكها بقيمها الدينية والاجتماعية والثقافية وهذا يتطلب مراجعة مرحلية يشترك فيها العلماء والمفكرون والمثقفون والإعلاميون وغيرهم من أبناء هذا الوطن في حوار فكري يفتح آفاقاً أوسع يبحث ويدقق في الأمور التي تهم المواطنين والمشاكل التي تواجه مسيرة الوطن.
والقيادة السعودية لا تعرف إلا الخط المستقيم الذي يحقق مصلحة الوطن والمواطنين، ومن واجبها أن تمنع أصحاب الأهواء والأغراض الشخصية من المزايدة وركوب الموجة حتى يستقيم الطريق نحو الإصلاح المنشود. ومن هنا كان حرص سمو ولي العهد على حماية مسار الحوار الوطني من الانحراف عن اتجاهه السليم، وأن يصحح ويوجه مساره الوجهة الصحيحة في إطار من الأخوة الإسلامية والوطنية. فمن المسلم به أن كل إصلاح منشود للوطن والمواطنين يتعرض لمقاومة عنيفة من اتجاهين، قد يبدوان متعارضين، لكنهما يتفقان على العداء لكل إصلاح أو تطوير. الاتجاه الأول هو الجمود والغلو والثاني القفز السريع فوق الواقع الذي يفضل بلوغ أهدافه قفزاً من النوافذ لا دخولاً من الأبواب. وقد وجه سمو ولي العهد في كلمته التاريخية هاتين الطائفتين من الغلاة والمزايدين، فقال سموه ان الدولة ماضية في نهجها الإصلاحي ( ولن تسمح لأحد بأن يقف في وجه الإصلاح). كما شدد سموه على رفض ( الدعوة إلى القفز في الظلام والمغامرة الطائشة) وأكد أن أبناء الوطن لا يحتاجون إلى من يعلمهم أمور الدين أو يزايد عليهم في أمور الدنيا. هذه الكلمات قطعت الطريق على المزايدين، وأنقذت الحوار الوطني من الفوضى التي تلقي بظلالها على أية عملية إصلاحية فقد حرص سمو ولي العهد على الا ينزلق أسلوب الحوار إلى الفوضى وينعزل عن سياقاته الاجتماعية والوطنية، وأن يكون أسلوباً يستهدف تكريس الوحدة الوطنية كأداء في طريق الإصلاح وممارسة تفتح آفاقاً مشرقة من أجل الاستمرار في حركة المد نحو التحديث لمزيد من الخير والرفاهية وتحقيق منهج إصلاحي يركز على أساسياته في كل الحالات التي تتصل بالاقتصاد والتعليم والمرأة بإيقاع سريع والاهتمام بجوهر الموضوعات دون الانزلاق في التفاصيل والجدل في هذه الموضوعات بالحسنى، فلا ننسى ثوابتنا وواقعنا الذي يجب أن نستثمره لصالحنا، ونستخرج أفضل ما فيه من طاقات فاعلة ومزايا عديدة. ان الدعوة إلى النهج الإصلاحي التدريجي هي الاتجاه الواقعي الصحيح لتحديث المؤسسات من حيث الدور والوظيفة وطريقة الأداء. لقد قرأنا وسمعنا العديد من الادعاءات والتصريحات التي تتحدث عن برنامج نشر الديمقراطية على النمط الغربي في الدول العربية، وبلغت هذه التصريحات حد التطرف وقد تعرضت هذه التصريحات لانتقادات كثيرة من جانب رجال السياسة والمثقفين والأكاديميين من مختلف أرجاء العالم، ومن داخل المجتمع الأمريكي نفسه، ومن بين هؤلاء يبرز رئيس الصندوق الوطني للديمقراطية.
(national exdoweent democracy) الذي تصدى بالرد القوى الحاسم على خطاب الرئيس بوش الذي ألقاه في يوم 6 نوفمبر 2003م أمام أعضاء الصندوق، معبراً عن رأيه ومنتقداً خطاب الرئيس بوش فقال: " إن الديمقراطية ليست أداة لتنظيم العلاقات الدولية."
هذا التعليق من جانب رجل سياسي وأكاديمي له دور بارز في المجتمع الأمريكي يوضح في جلاء أن لكل مجتمع ظروفه وثوابته الخاصة التي يخضع لها فلا يمكن القفز عليها وتجاوزها وتعديلها عن طريق أي قوة خارجية مهما كان حجم هذه القوة، فلكل مجتمع قيمه الخاصة وثقافته وظروفه الاجتماعية التي لا يمكن القفز عليها لأن هذا يعد قفزاً في الظلام ومغامرة طائشة لا تحمد عواقبها لما تنطوي عليه من إثارة قضايا تمس خصوصية المجتمع في تماسكه ووحدته الوطنية.
وقد عبر سمو ولي العهد عن هذا المعنى بكلمات واضحة قال فيها ان الدولة لن تفتح المجال أمام من يريد بحجة الإصلاح أن يهدد وحدة الوطن أو يعكر السلام بين أبنائه حتى يمكن مواجهة تحديات المستقبل يدا بيد بأسلوب وحوار وطني يتسم بنبل الغاية ويستهدف الوحدة الوطنية لمجتمعنا المؤمن.
لذا فإن القول بفرض الديمقراطية على النمط الغربي يناقض تماماً ويتنافى مع الحقائق الاجتماعية التي تنكر التقليد الأعمى عن الآخر الذي يختلف عنا في قيمه ومنهجه وتاريخه وثوابته، والتاريخ الاجتماعي وهو ما تؤكده تجارب الأمم في الماضي والحاضر.
إن المزايدين والداعين إلى القفز في الظلام والمغامرات الطائشة عندما يتحدثون عن الديمقراطية الغربية ويروجون لقيمها وأساليبها يرد عليهم بأن كل هذه القيم والمفاهيم التي تشهر في وجه مجتمعاتنا العربية والإسلامية تتوقف عند إسرائيل ولا تناقش فيها، ولا تسأل عن انتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في تقرير المصير.
إن المفارقة واضحة بين وضع حقوق الإنسان عملياً وما له من حقوق نظرية في دساتير الكثير من الدول التي تعتبر مجرد واجهات لا ظل لها في الواقع العملي المعاش. ان دستور المملكة هو القرآن الكريم والسنة الخالدة، الدستور الإلهي الخالد، الذي يستمد منه المجتمع السعودي كل مقومات وجوده وقد عبر سمو ولي العهد عن تمسك هذا الوطن بعقيدته السمحاء ( يجب ألا يغيب عن ذهن أحد أن هذا الوطن لن يرضى أبداً أن يمس أحد كائناً من كان عقيدته الإسلامية باسم حرية الرأي أو بأي اسم آخر، ان مجتمعنا يستمد كل مقومات وجوده من الدستور الإلهي الخالد القرآن الكريم والسنة المطهرة وأي تعرض لهذا الدستور الالهي يعني طعن الوطن في الصميم).
انها كلمات عميقة الإيمان راسخة في ضمير وطننا وأقوى من أي حدث وحديث لأنها هي سبيلنا وطريقنا القويم الذي يفتح أمامنا أبواب الخير من أمور الدين والدنيا. وقد جاءت كلمات سمو ولي العهد واضحة تدعو إلى التحلي بالحكمة والاتزان، وتوجيها للمزايدين على الإصلاح، الذين يحاولون ركوب الموجة، وأرسى بكلماته القواعد التي تضمن حرية الرأي المسئولة الواعية وفق المنهج الإسلامي.. منهج الوسطية والاعتدال منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وهو الإطار الصحيح والمسار الذي ينطلق من جملة مبادئنا الدينية والوطنية، نحو إصلاح تحرص الدولة أن يشترك فيه جموع المواطنين في حوار هادف بعيدا عن التيارات التي تريد إثارة الفتنة والانقسام وتؤثر على صورة المملكة ووضعها الخاص في قلب العالم الإسلامي، ودعوة سموه هي خدمة الدين والوطن وقد تلقاها المواطنون الصالحون الصادقون بالتقدير والتفاؤل باستمرار حرص المملكة على منهجها الإصلاحي السليم ضمن الثوابت التي لا يمكن أن تحيد عنها.
الخلاف والثوابت في الحوار الفكري
واللقاءات الوطنية لا تقاس بالكم فقط بل بالنوع أيضا، ومن هنا تبدو الأهمية القصوى للقاء الفكري الذي نوقشت فيه قضية من أهم القضايا وأولاها في المرحلة الدقيقة الراهنة من تاريخ بلادنا وأمتنا الإسلامية ألا وهي قضية الخطاب الإسلامي الداخلي والخارجي في مواجهة التحديات وفي مقدمتها تلك الهجمة الشرسة التي تمس العقيدة ويشنها أعداء الإسلام مستغلين الصراعات والقضايا الساخنة على امتداد العالمين العربي والإسلامي.
والأسلوب الذي أدير به الحوار والشفافية التي اتسم بها، حققا أهدافا نبيلة في مقدمتها تحطيم الأسوار التي يتراكم خلفها ضباب الوهم والأكاذيب. ورسخا معاني الوحدة الوطنية في مناخ من حرية التعبير عن الرأي والرأي الآخر ومد الجسور بين المذاهب الفكرية المتنوعة.
ومن هنا فقد تطلب الأمر فكراً ثابتا ومعرفة عميقة بحقائق هذا العصر فمساحة الحرية في التعبير والتحاور البناء هي ركيزة أساسية في مجتمعنا الإسلامي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يٍسأله: (سل عما بدا لك). ان التشجيع وقوة الدفع التي قدمها سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز للعلماء والمفكرين والمثقفين وكلماته الصريحة ودعوته الملحة للتفكير الجماعي في نهج أساليب جديدة ، فتح الباب على مصراعيه لمناقشة موضوعات لم يسبق مناقشتها في أي منتدى آخر ومن هذه الموضوعات مواجهة التنافر الاقليمي والقبلي، والتعامل مع تعدد المذاهب، والمطالبة بتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، والتصدي لقضية المظالم والممارسات والتقاليد المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تواجه المرأة وتوسيع نطاق مشاركتها، وضمان حرية التعبير للجميع وفق ضوابط شرعية، ومراعاة واتباع المصالح القائمة على العدل في تأسيس العلاقات الدولية.
هذه الموضوعات التي تم بحثها وفق منهج يتسم بمخاطبة العقل والمنطق الفكري في إطار حوار هادىء منظم ارتكز على تبيان الحجة واحترام الرأي الآخر وإتاحة الفرصة لتبادل الرأي والمناقشة.
وهذا الحوار الهادف مهد الطريق في اتجاه جديد ينأى عن دوائر الأفكار والثقافات المغلقة، التي تحمل في مضمونها بذور التطرف الذي يمثل أكبر تهديد لاستقرار الشعوب في عالمنا العربي والإسلامي، وهو حوار يكرس البيئة المناسبة لممارسة ومباشرة تقوم على احترام الرأي الآخر في عالم تختلف أنماطه وتجلياته وأساليب التعاطي معه، فالاختلاف والتنوع الفكري سنة كونية وحقيقة تاريخية.
ولاشك في أن أي اختلاف في الرأي يخفف آثاره الضارة اعتماد منهج القرآن الكريم والسنة النبوية اللذين هما دستور البلاد في الحكم على الآراء والأشياء والأشخاص بتحري الحقيقة والموضوعية، والعدل والتعايش مع هذا الاختلاف وضبطه، والتفريق بين الثوابت والاختلاف، وتحديد مرجعيته بالكتاب والسنة.
وهذا ما عكسته أيضا توصيات مؤتمر الحوار الوطني الثالث الذي عقد بالمدينة المنورة وتناول قضايا المرأة ودعا في توصياته إلى تأسيس هيئة وطنية متخصصة بقضايا المرأة والأسرة، والدعوة إلى مراجعة وضع المرأة في المحاكم .. وكلا التوصيتين تصب في مصلحة المرأة والأسرة بكاملها وتحقق الخصوصية الكاملة للمرأة المسلمة.
ولاشك في أن مراجعة تقويم التخصصات في التعليم الجامعي والمهني واستحداث تخصصات تتماشى ومتطلبات المجتمع تجعل المرأة السعودية يزداد دورها في دعم التنمية والاقتصاد والثقافة والمجتمع برمته، ويستغل ما حصلت عليه من علم وما صرفته الدولة على العنصر البشري النسائي من أموال طائلة فأصبحت المرأة (ثروة) وطاقة كبيرة لابد من الاعتماد عليها والاستفادة منها في مجالها بعد أن تسلحت بالعلوم النافعة بما يخدم مجتمعها وهو ما تطرقت إليه الفقرة الثامنة من التوصيات.
أن التوصيات بشأن المرأة عديدة وهامة ومعظمها مطبق على أرض الواقع وتحتاج إلى دعم إعلامي واع لشرح وعرض هذه التوصيات وابرازها وفتح الباب للمرأة لتحليل تلك التوصيات والوقوف على كل جوانبها الإيجابية.. فالحوار هو الذي انتج هذه التوصيات يقول سمو ولي العهد عند استقباله المشاركين في اللقاء الوطني الثاني (الحوار لا يأتي إلا بالخير كما يزيد من تماسك القلوب وترابطها) وقال سموه (ان المرأة السعودية هي الأم والأخت والزوجة والابنة ولهذا لها تجاهنا حقوق).
وكلما فعل الحوار الهادف المتمسك بأهداب الدين الحنيف ومصلحة البلاد والعباد فإنه سيؤتي ثماره .. ويصبح حواراً منتجا يركز على مساحات التفاهم والحلول المثالية وصدق العمل وعمق الرؤية ونبل الأهداف!!
*عضو مجلس شورى- رئيس مركز الخليج للطاقة والدراسات الاستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.