يندر أن نجد منتخبا أو فريقا أوصله فكر مدربه إلى نهائي أو إلى لقب بطولة، أو هكذا نريد نحن أن نفهم لإصابتنا جميعا بصرع النجومية، فأغلبنا يتخيل أن تتويج منتخب أو فريق هو نتاج لإبداع فردي أو جماعي، وهكذا مضينا مرارا وتكرارا في تبجيل بعض اللاعبين لأننا رأينا فيهم موهبة خارقة أريد لها أن تولد في بطولة بعينها لتغير مجرى التاريخ. لقد رأينا في فوز الأرجنتين بكأس العالم ،1986 انتصارا لعبقرية خارقة كان يمثلها النجم دييجو مارادونا، ولم نر في ذلك تتويجا لرحلة قطع فيها المدرب كارلوس بيلاردو أميالا من التخيل، ورأينا في فوز فرنسا بكأس العالم 1998 انصهارا رائعا لمواهب نجوم كان أولهم زين الدين زيدان، وقليلا ما كنا نركن للمنطق ونتحدث عن فلسفة انتصار وتميز صاغها المدرب إيمي جاكي. ونحن في هذا الانسياق الطبيعي وراء إبداع الفرد لأنه هو مصمم الفرجة فوق الملاعب، لا نعمل إلا على تصديق مقولة ان المدرب لا يساوي أي شيء من دون فريق، أي من دون لاعبين على درجات متفاوتة في الإبداع والخلق الفرديين ولكن على درجة متساوية في التجاوب مع أسلوب اللعب. ولكن هل يحق أن ننكر على المدربين بصماتهم الفنية والتكتيكية التي تخيط لأي فريق أو منتخب جلباب البطولة؟ في الكأس الأوروبية التي عشنا دفقاتها السحرية لأكثر من ثلاثة أسابيع ما يدل على أن الفريق أو المنتخب لا يمكن أن يكون في أفضل حالاته من دون مدرب جريء، مستوعب وعاشق لكل صور الإبداع، كما لا يمكن لأي مدرب أن يبلغ مراتب النجاح والشهرة من دون فريق أو منتخب يتقمص لاعبوه في المبتدأ والختام كل الأدوار التي يفرضها أسلوب اللعب، ويجيدون تأديتها على المسرح أمام المتغير الكبير الذي هو الخصم. لقد شاهدنا منتخبات كبيرة تذهب ضحية تحجر فكر مدربيها مع أنها تضيق باللاعبين المهرة، الموهوبين، وشاهدنا منتخبات صغيرة ومغمورة تتسيد فنيا وتكتيكيا برغم أن ما بين صفوفها لم يكن هناك نجوم ممن تعرف وممن تتردد صورهم في الأفلام الدعائية والإعلانية. وقد يكون بين هذه المنتخبات، منتخب اليونان الذي أنبته فكر مدرب ألماني من رماد الأساطير.في كل المباريات التي خاضها أحفاد الإغريق بمونديال أوروبا ما كان ممكنا أن نجد لمسة، صورة، متخيلا تكتيكيا ليس فيه للمدرب أوتو ريهاجيل بصمة. لقد استطاع الرجل بملكة الإبداع التي توجد فيه أصلا، وبتراكم الخبرات على مدى السنين الطوال التي قضاها متجولا بين الملاعب والأندية والمنتخبات، أن يجعل لأسلوب لعبه إطارا يتسع ويضيق، يتمدد وينكمش بحسب المهارات الفردية التي تكون بين يديه، لقد علمته أعوامه التي قضاها متعبدا أمام محراب الكرة أن لا يذهب أبعد من فكر ومن قدرات لاعبيه الذهنية. كان أوتو ريهاجيل يعرف أن منتخبه لم يكن يملك في البداية ولا حتى سهما واحدا في بورصة قيم اليورو، لذلك تصرف على هذا الأساس، استغل فتور الأضواء، فحرك في لاعبيه ذلك العشق الجماعي للبحث عن هذه الومضات، لقد جعل لاعبيه يؤمنون بأن كل ما يواجههم هو متفوق عليهم على الورق، فكان أن عملوا بمقولة إعرف نفسك تعرف خصمك، ومن وعي كامل بالفوارق صصالجمالية'' التي يصطنعها الإعلام تصرف لاعبو اليونان على هذا الأساس، تقيدوا بأسلوب لعبهم المؤسس على الحذر كل الحذر في عدم تفويت سنتمتر واحد للخصم، قدموا لنا صيغة مستحدثة لكرة قدم دفاعية بعيارات هجومية كان الكثير منها يصوب ببالغ الدقة لأنه لم يكن متوفرا منها الكثير. لسنا ندري أين سيقف هذا الزحف اليوناني، فقد بلغ نهائي المونديال الأوروبي وفي ذلك تأكيد لما قلته من قبل، إن هناك قشرة جديدة نبتت على سطح كوكب كرة القدم، بإمكانها أن تغير التضاريس وحتى تعاقب الفصول. الاتحاد الاماراتية