حتى بداية التسعينيات كان جمهور غفير من المواطنين العرب البسطاء مخدوعين بل وربما مبهورين بالشعارات الرنانة التي كان يرفعها العقيد القذافي وبالخطابات (الطنانة) التي كان يرددها هنا وهناك وبالتصريحات النارية والمفاجئة التي كان يطلقها من حين إلى آخر والتي كان من خلالها ( يطزطز ) فيها الامريكان والبريطان - من خلال وسائل الإعلام - ويشتم فيها ( إللي خلفوهم ) ويردح لهم ردح ( العوالم !) ويُخرج لهم لسانه على طوله ويلعب لهم حاجبيه نكاية فيهم ثم يختبئ كالولد الشقي ( قليل الأدب ) وراء الظهر السوفيتي طالبا ً الحماية والجوار!!؟؟ بالطبع أن القذافي كان يرقص أيضا ً على نغمات العاطفة القومية والدينية في بعض الأحيان ويدعي لنفسه لقب أمين القومية العربية ورسول الصحراء والصقر الوحيد .. و .. و ... و ... إلى آخر ال 99 من أسمائه الحسنى و صفاته المثلى وألقابه المثلى ( إياها ! ) التي خلعها على نفسه بنفسه لنفسه (!؟) والتي ماتنفك ببغاواته الحمقاء وأبواق دعايته الشمطاء عن ترديدها والتغني بها صباحا ً ومساء بشكل ذميم يبعث على الاشمئزاز والقرف والاستهجان والضجر ! شعارات ثوروية .. وخطابات نارية .. مصحوبة بأوهام وبطولات ومعارك ( دونكوشوتيه ) وتصرفات صبيانيه وغير مسؤولة كان ثمنها جد باهض من حياة وثروة وعمر وكرامة الشعب الليبي ولم يدفع القذافي - بالطبع - من جيبه ولا من جيب إللي خلفوه ولا جيب إللى جابوه مليما ً واحدا ً ! وكان بعض العرب من البسطاء - آنذاك - يصدقونه ويصفقون له ويظنون به خيرا ً . ولكن الله تعالى يأبى إلا أن يكشف حقائق أمثال هؤلاء الدجاجلة من مدعي الزعامة ومدعي البطولة والتحدي والصمود والتصدي ! وليس مثل مطارق الواقع وتقلبات ألأيام ورياح المحن والأعاصير مقياسا لكشف حقيقة معادن الرجال وصدقهم وثباتهم على المبادئ ! .. فالحرب الباردة بتوازناتها القديمة ولت وانتهت .. والظهر الكبير الذي كان يحتمى خلفه العقيد و ( يطزز ) الامريكان ويشتم (إللى خلفوهم ) من ورائه انكسر وآل إلى السقوط وأصبح القذافي - من ثم - عُريانا ً على حقيقته كما هي وكما هو حجمه الحقيقي في الواقع بلا رتوش وبلا طز وبلا صمود وبلا تحد وبلا بطيخ ! ومنذ مشاهدته مصير ( تشاوشيسكو ) في نهاية الثمانينيات وهو في حالة يُرثى لها إلا أنه ظل يناور ويداور ويراوغ ويماطل فتارة يطل من جحره ويلقي خطابا ً هنا أو هناك وتارة يكش وينكمش ويتظاهر بأنه غير موجود !! وحينما جد الجد وحمى وطيس المعركة القومية ضد الإسرائيليين والإمريكان واشتعلت المنطقة ووصل الدم العربي إلى الركب وبلغ السيل الزبى ونادت الأمة أبطالها ورجالها وصقورها وأسودها إذا ب( الأخ العقيد !) الذي أطلق على نفسه لقب ( الصقر الوحيد ) ليس سوى ( جربوع مرعوب رعديد )!! .. ولكي يهرب من المعركة القومية المشتعلة تظاهر بأنه ( زعلان !) من العرب وأنه لا أمل في الوحدة العربية ولا في العرب وقال ( نحن أفارقة ولسنا عربا ً )! ثم تظاهر بأنه مشغول جدا ً جدا ً جدا ً بتوحيد ( الأمة ! ) الإفريقية وبإقامة الولاياتالمتحدة الإفريقية على غرار الولاياتالمتحدة الإمريكية ! .. ولكي يوغل في الهروب من المعركة - لما حمى وطيسها وانتقلت من طور المعارك الكلامية القولية إلى طور المعارك الدموية الفعلية - خرج على العرب بحكاية ( إسراطين ) !!؟؟ .. أي والله ! ... إسراطين !!؟؟ ويوم رأى صدام حسين في حفرته البائسة بمنظره الكئيب - والمخيب للآمال - والجنود الإمريكان يفتشون أسنانه وفمه بكل ابتذال .. فهم الدرس جيدا ً وعلم أن ( الهامش ) القديم الذي كان يسمح بالمماطلات وإدعاء البطولات ولعب العيال أصبح في خبر كان فقال العقيد في نفسه ( انج ُ سعد فقد هلك سعيد ) !! وإذ به - وبعد خمسة أيام فقط - من القبض على صدام في جحره الكئيب يهرع - كالطفل المؤدب الندمان - إلى البريطانيين والإمريكان ليجلس في خشوع وخضوع على كرسي الاعتراف طالبا ً الصفح والغفران !!؟؟ لقد إنكشفت الحقيقة كاملة - حقيقة الأخ العقيد والصقر الوحيد - للمواطن العربي وتساقطت كل الأقنعة والرتوش وكل الشعارات والادعاءات من ( زيد تحدى زيد يا الصقر الوحيد ) مرورا ً ب( طز مرة ثانية في أمريكا وبريطانيا ) وانتهاءا ب( لو عادينا العالم كله عن المبادئ مانتخلى )! .. ورأي أولئك العرب الذين كانت تخدعهم خزعبلات العقيد وخطاباته الرنانة - بأم أعينهم - حقيقة صاحبهم ! .. هؤلاء العرب من البسطاء الذين كنا نحاول إقناعهم بأن القذافي ليس كما يعتقدون وبأننا نحن الليبيين أعرف أهل الأرض به وبأنه ليس سوى دعي كذاب وطاغية يمارس ضد أبناء شعبه كل صنوف القمع والإرهاب وأنه قتل ألوف الليبيين ولم يقتل صهيونيا ً واحدا ً !! .. ولكنهم كانوا لايصدقون وكانوا يردون علينا ولكن الأخ العقيد قال وقال !!؟؟ . كان هذا حالنا - آنذاك - مع بعض إخواننا العرب ممن أسرتهم أبواق الدعاية القذافية وشعاراتها الطنانة الفارغة كالطبل الأجوف ولكنهم هاهم اليوم - ولله الحمد والمنة - قد رأوا العقيد القذافي على حقيقته بلا رتوش وبلا طز وبلا صمود وبلا تحد وبلا بطيخ ! والغريب أنهم باتوا يشعرون بشئ من ( القرف ) و ( الاشمئزاز ) و( الضجر ) من تصرفات القذافي وتصريحاته كما أخبرني بعضهم وقال لى آخرون أن ( القرف ) و ( الضجر ) من العقيد قد وصل عندهم مداه حينما شاهدوه يقوم بتلك الحركات الصبيانية السخيفة في مؤتمر القمة الأخير حيث كان يدخن سيجارة بطريقة يراد بها كما هو واضح لفت الأنظار إليه ليس إلا ! .. كحركات العيال ! .. وهو يقهقه من حين إلى آخر كالمعتوه أو كالطفل المبتهج بتقليد الكبار لأول مرة في عادة التدخين ! .. ولكن الشئ الآخر واللافت للنظر الذي شد بعض إخواننا العرب في شكل وتصرفات القذافي هو ذلك الكم الهائل من الأوسمة التي كان القذافي يزين بها صدره بكل بجاحة فتساءل بعضهم بمزيج من القرف والمرارة والغضب وبشئ من الاستغراب والاستنكار والضجر: في أية معارك انتصر فيها فتحصل عليها يا تُرى ؟؟!! * كاتب ليبي