عزيزي رئيس التحرير إن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا في هذه البلاد المباركة ( المملكة العربية السعودية) بنعم عظيمة وآلاء جسيمة، أولاها نعمة الإسلام والإيمان، والعقيدة الصحيحة الصافية والمنهج السليم النافع، ثم ما نتمتع به من أمن وأمان لا مثيل لهما في كل مكان، يشهد بذلك كل أحد، ويتمناهما القريب والبعيد، والعدو قبل الصديق، يضاف إلى ذلك الاستقرار والطمأنينة ورغد العيش، التي نتفيأ ظلالها كل يوم بل كل ساعة، وستظل هذه المواهب موجودة، ووافرة متوافرة بمشيئة الله، مادام رائد أهل هذه البلاد رعاة ورعية، حكاماً ومحكومين كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح، يستمدون منها عباداتهم، وينطلقون منها في تصرفاتهم ومعاملاتهم، ويطبقون أحكامها، وينفذون حدودها، مصداقاً لقول الله تعالى: " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور". وقوله صلى الله عليه وسلم: " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي". ورغم ما تقوم به المملكة من تطبيق لشرع الله في جميع مناحي الحياة وبصورة منقطعة النظير في هذا الزمن، وكذلك كل ما تبذله من إمكانيات مادية ومعنوية في خدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان، إلا أنها لم تسلم من الحاسدين والحاقدين وأصحاب الهوى والشهوة والشبهة، الذين عميت أبصارهم وبصائرهم عن الحق، فتعروا عن كل فضيلة، وتلبسوا بكل رذيلة, فعليه كانت, حتى انهم سلكوا طرقا لم يسلكها الاعداء في الوصول الى اهدافهم ومطامعهم المشينة والخبيثة، فبالأمس فعلوا ما فعلوا من تحريش وتشويش وسب وشتم وتلبيس وتدليس، ثم تجاوزا ذلك كله فأوغلوا في إخافة الآمنين وإزهاق الأرواح البريئة عن طريق الأعمال الإرهابية والإفسادية في البلد الحرام والتفجير الذي وقع في مدينة الرياض في سيد الشهور الا وهو رمضان, والذي تمقته وتمنعه وتمجه وتعاقب عليه جميع النظم والاعراف الدولية فضلا عن ديننا الاسلامي الحنيف وعقيدتنا ومبادئنا وعاداتنا وتقاليدنا. واليوم يتم اجرام ابشع واعظم من ذلك بمراحل, وهو تتبع رجال الامن, والمحاولة البائسة من اجل تثبيط هممهم واخافتهم وثنيهم عن اداء واجبهم وانى لهم ذلك ان شاء الله اضافة الى تنويعهم في اساليب الاجرام والقتل والتدمير المضرجة بالحقد والغل والبغضاء كما حدث في ينبع والخبر, والذي يظهر ان له ابعادا كبيرة تتمثل فيما يلي: اولا: وقوعه من نفس الفئة السابقة وبنفس الطريقة وبصورة اكبر, مما يدل على ان الاكمة وراءها ما وراءها, ولكن الله سيفضح كل حاقد وحاسد ومنحرف. ثانيا: ما يراد منه من تشويه الصورة الواضحة الصادقة لهذه البلاد الطيبة في علاقتها مع البلدان الاخرى, والتي ستظل على ما هي عليه بإذن الله نقية صافية. ثالثا: زعزعة الامن وخلخلته واخافة الناس من مواطنين ومقيمين ولكننا نقول لكل مريد لذلك: مت بغيظك فالله ناصر من ينصره وممكن لمن يعز دينه. رابعا: عدم فردية القيام بمثل هذه الاعمال, وانما هناك من يخطط ويدبر ويكيد, ويستغل غيره للتنفيذ, ومن هنا يجب علينا جميعا ان نضع نصب اعيننا امورا اهمها: الاول: انه لابد من الحزم مع كل عدو وخائن ومرجف, والوقوف بوجهه بقوة كائنا من كان, وعدم الثقة الا في أهل الولاء والمحبة لهذا الدين وهذه البلاد وولاة امرها وعلمائها. الثاني: ان نعلم ان صاحب الهوى والبدعة والفكر المنحرف لا تنفع معه المداراة والحكمة, ولن يكف ويبتعد عما هو عليه مهما بذل من اجل ذلك, مما يحتم علينا ان نردعه ردعا قويا, وان نضيق عليه الخناق ونحصره في زاوية ضيقة على نفسه, حتى لا يتعدى ضرره الى غيره. الثالث: ان نحذر جميعا كبارا وصغارا, رجالا ونساء, علماء وطلاب علم, اساتذة ومعلمين ومربين ومدرسين ودعاة وموجهين وعامة كل الحذر من ايجاد المبررات والمسببات والمسوغات لهذه الاعمال الاجرامية البغيضة شرعا وعقلا وطبعا, فهي لا تقبل ذلك بأي حال من الاحوال, لان في ذلك تأييدا لهؤلاء المجرمين المفسدين, الخائنين لدينهم ووطنهم وامتهم, كما انه يفتح باب المخاطر والشرور والفتن ويشجع الجهال واصحاب الاهواء والعقول الناقصة, والنفوس المريضة المنحرفة وكل عدو وحاقد وحاسد ومرجف للنيل من عقيدتنا وامتنا ووطننا وولاة امرنا وجميع مكتسباتنا. رابعا: ان هذه الاعمال الارهابية بما تمثله من ابشع الصور الاجرامية تعتبر من النوازل العظام والفتن العمياء التي اصابت الامة الاسلامية فردا فردا لان المملكة هي دولة الاسلام القائمة عليه, ومهوى افئدة المسلمين, وفيها قبلتهم, ومنها انطلق نور الهداية الى جميع اصقاع الارض, كما انها ملاذ بعد الله للخائفين والمضطهدين وكل اصحاب الحاجات, وهذا يدفعنا الى القول: ان القنوت في مثل هذه الحوادث الواقعة في هذه البلاد المباركة لازم وهو اولى من القنوت في مسائل كثيرة نرى ان فئة ممن لهم اثر في هذا المجال يركزون عليها ويطنبون في الدعاء فيها متجاهلين او متناسين هذه الحوادث العظام والمصائب الجسام التي وقعت في بلادنا فهل الامر يستدعي ذلك؟ او يقبله؟ والى متى هذه الضبابية وعدم الوضوح في الرؤية؟ هل نحن في شك من ديننا او عقيدتنا او علمائنا او ولاة امرنا؟ لا والله ان الامر واضح جلي وليس فيه ما يدعو الى اللبس او الشك الا عند من في قلبه مرض, ولا يدرك حقائق الشرع وضوابط العدل, وما به تدرأ المفاسد وتجلب المصالح وبالتالي فلابد من الصراحة والوضوح والصرامة والقوة والحزم والشدة في مقابلة هؤلاء واولئك والضرب بيد من حديد على كل عابث بأمن وامان وطمأنينة بلاد الحرمين الشريفين فوقت المجاملات والتسويفات, وايجاد المبررات. وادعاء التغرير بمن ينحون هذه المناحي قد ذهب وولى, ولا يقضى عليهم وعلى من شاكلهم الا باستئصالهم واستئصال جذورهم على مختلف المستويات وتنوع التخصصات. واننا نقول في خضم هذه الفتن المدلهمات والخطوب الجسيمات انه يجب علينا ان نكثر من الدعاء والضراعة الى الله واللجوء اليه في القنوت وفي الصلوات فرائض او نوافل وفي اوقات الاجابة بالهداية لجميع ابناء الامة الاسلامية خصوصا من انحرفوا فكريا ووقعوا في حبايل شياطين الانس والجن, وان يردهم الى جادة الصواب او ان يقطع دابرهم ويهلكهم ويرد كيدهم الى نحورهم هم ومن اعانهم او وقف وراءهم او ساندهم او أرجف معهم بأي وسيلة كانت يقول - صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) ويقول صلى الله عليه وسلم ايضا: (لايرد القضاء الا الدعاء) وقد دعا صلى الله عليه وسلم على المعتدين في بعض النوازل. خامسا: يجب علينا في هذه البلاد حكومة وشعبا ان نهنئ انفسنا باولئك الرجال المجاهدين المحتسبين الذين يقفون خلف تلك الانجازات الامنية العظيمة, ويبذلون جهدهم من اجل الحفاظ على الامن والامان وحماية الدين والعقيدة والدفاع عن الوطن, باذلين في سبيل ذلك الغالي والنفيس حتى انهم لم يبخلوا بالتضحية بانفسهم ودمائهم الزكية, وذلك في ملاحقة الفئة الضالة والفئة الفاسدة المجرمة, وتتبع اثارهم بدقة, والتضييق عليهم في مخابئهم وجحورهم حتى امكن الله منهم, وكشف الله سترهم, وابطل كيدهم, وضاقت عليهم الارض بما رحبت, فراحوا يسلكون اكثر السبل اجراما وحقدا واغلبها خسة ودناءة وافسادا المتمثل في تقصد رجال الامن وغيرهم وقتلهم والتمثيل بهم فحسبنا الله عليهم. ان رجال الامن الاوفياء ذوي الشموخ والعزة, ضربوا اروع الامثلة, وانصع الحجج والبراهين, واقوى الدلائل على ما يجب ان يكون عليه ابناء هذا الوطن, من قوة وصلابة في الحق ومواجهة الباطل, وما ينبغي ان يتلبس به كل فرد من محبة وولاء ووفاء لعقيدته وبلاده. واننا نقول في خضم هذه الاحداث وتلك الاعمال لرجال الامن ومن يقف خلفهم: اصبروا وصابروا وابشروا فانكم في سبيل الله تقاتلون ومن اجل نصرة دينه واعلاء كلمته تعملون. ولقد وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم العين التي تحرس في سبيل الله بالجنة والجميع معكم قلبا وقالبا داعين لكم بالثبات والقضاء على اهل الشر والفساد. وان كل ذلك لن يثني من عزم ولاة امور هذه البلاد, ولن يفت في عضدهم في المضي قدما في تنفيذ حدود الله واحكامه, وتطبيق شرعه, وملاحقة المجرمين ومعاقبتهم ايا كانوا, وان المجرم او المجرمين الذين تولوا كبر هذه الحوادث سيقعون في شر اعمالهم, وسيكشف الله سترهم, وستتمكن منهم سلطات الامن ليلقوا جزاءهم بإذن الله تعالى. علما بان كل رجل في هذه البلاد صغيرا كان او كبيرا, ذكرا كان او اثنى, مسؤول مسؤولية تامة عن الحفاظ على امن وامان بلاده, وذلك تحقيقا لمبدأ التعاون على البر والتقوى, وحفظ الانفس والاعراض والاموال, ولنقف صفا واحدا في وجه كل من اراد تعكير صفو طمأنينتنا واستقرارنا, والذي تبذل دولتنا - اعزها الله ونصرها - امكانيات ومقدرات لا تتصور للحفاظ عليهما, ونحن معتقدون اعتقادا جازما بل ومتيقنون بان كل من اراد بلاد الحرمين الشريفين بسوء, فان الله سيخذله وسيذيقه عذابا اليما, تحقيقا لما وعد الله به في قوله سبحانه: (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم). نسأل الله العلي القدير ان يحفظ علينا ديننا وامننا وامتنا وولاة امرنا, وان يرد كيد الكائدين في نحورهم, وان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن, انه ولي ذلك والقادر عليه, وصلى الله وسلم على نبينا محمد. د. سليمان بن عبدالله ابا الخيل وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية