طالعتنا الصحف في الآونة الأخيرة بخبر حول شروع مجلس الشورى الموقر في دراسة مشروع نظام لمكافحة الاعتداء على المال العام وسوء استعمال السلطة .. ووفقا لتصريح الدكتور حمود البدر أمين عام المجلس فإن مشروع النظام يقضي بمحاسبة كل موظف أساء استعمال سلطة وظيفته لتحقيق مصلحة شخصية له أو لغيره أو للإضرار بغيره داخل مقر عمله أو خارجه . وهذا يعني عزم أولى الأمر حفظهم الله على التصدي للسلوكيات المنحرفة والتصرفات الخاطئة لبعض المسؤولين خروجا على النظام وما ينتج عن ذلك من سلبيات يطلق عليها مصطلح (الفساد الإداري) . وبداية أود أن أذكر بحقيقة لا يختلف عليها إثنان ولا ينكرها أحد .. وهي أن المملكة تعتمد أحكام الشريعة الإسلامية دستوراً لها ومنهجا للحياة وهي تطبق أحكام وتعاليم الشريعة الإسلامية تطبيقا عمليا في كافة مناحي الحياة وعلى كافة المقيمين على أرضها سواء من أبناء الوطن أو من الوافدين إليه . واذا ما طالعنا علم الإدارة في الشريعة الإسلامية نجده ينطلق من مفاهيم إيمانية حيث تعتبر الواجبات والمهام الوظيفية أمانة يتحملها كل من تسند إليه والشريعة الإسلامية تأمره بأن يؤديها لمن يستحقها في أفضل صورها وفي وقتها امتثالا لقول الحق تبارك وتعالى : (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) آية 58 من سورة النساء. واستناداً إلى هذا النص القرآني فإن الفقهاء والعلماء يعتبرون أن العمل عبادة يتقرب به إلى الله سبحانه ويثاب عليه المسلم إذا ما أداه بشكل طيب ليس فيه غش أو استغلال أو تدليس أو ظلم او إجحاف لحقوق الغير لأن الله طيب لا يقبل إلا الطيب ويجزى صاحبه عليه . (إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا) . إلا أن المجتمعات لا تخلو من ضعاف النفوس الذين لا تردعهم تعاليم السماء ولا يحول دون انحرافهم الانتماء الوطني بسبب ضعف إيمانهم وانعدام الوازع الديني لديهم واتباعهم لهوى أنفسهم المريضة لتحقيق كسب مادي أو مصلحة شخصية عن طريق استغلال الصلاحيات التي منحت لهم والانحراف عن جادة الطريق فلا يفرقون بين الحلال والحرام ولا يقيمون للقيم والمبادىء أي اعتبار ويتمادون في غيهم غير عابئين بما يحدثه سلوكهم المعوج من أضرار للغير . وهنا تنشأ الحاجة إلى تدخل ولي الأمر لأن (من لم يتعظ بالقرآن .. يردعه السلطان) ولهذا يأتي (مشروع نظام مكافحة الاعتداء على المال العام وسوء استعمال السلطة) خطوة في الاتجاه الصحيح .. ويترجم بواقعية توجه الحكومة نحو الاصلاح والتصدي للفساد أيا كان نوعه أو مستواه ويؤكد حرص أولى الأمر حفظهم الله على تحقيق العدالة بين أبناء المجتمع ليعيش الجميع في ظل الأمن والأمان الذي أنعم الله به على هذه البلاد. ومشروع النظام يتحدث عن إنشاء وحدات رقابة داخلية في الأجهزة الحكومية وربطها بالمسؤول الأول في الجهاز كآلية لمراقبة الأداء وضبط التجاوزات في حالة حدوثها وبالرغم من سلامة هذا التوجه وأهميته في مراقبة أداء الأجهزة الحكومية والتحقق من سلامة الإجراءات بها .. فإنه يوجد أجهزة أخرى ومؤسسات وهيئات غير حكومية ذات شخصية اعتبارية وتتمتع بميزانيات مستقلة والمسؤول الأول فيها صاحب صلاحيات واسعة قد تفوق صلاحيات الوزير في الجهاز الحكومي .. ولهذا .. وحتى يتم تحقيق الجدوى المرجوة من هذا النظام فقد يكون من المناسب إنشاء إدارة مركزية عليا تتبع مباشرة مجلس الوزراء الموقر ويكون لها صلاحيات واسعة في جمع المعلومات وتدقيقها والرفع بما يتحقق لديها من مخالفات سواء كانت مالية أو إدارية .. إن وجود مثل هذه الإدارة سيشكل رادعاً قويا لكل من تسول له نفسه استغلال سلطة وظيفته والخروج من مقتضى الواجب الوظيفي لأنه يعلم أن أي انحراف سوف ينكشف أمره ومن ثم يلحق بمرتكبه العقاب المناسب كذلك سوف يشجع العاملين بالأجهزة أيا كانت تلك الأجهزة على الابلاغ عن أي تجاوزات دون خشية من اي انعكاسات سلبية ضدهم.