تسعى منظمة أوبك بكل امكاناتها الدبلوماسية والفنية بأخذ زمام المبادرة لكي تضفي على حالة الاسعار الملتهبة في أسواق النفط العالمية شيئا من الهدوء النسبي علها تنجح في تطمين أسواق النفط من خلال اثبات قدراتها الانتاجية في ضمان انسياب الامدادات النفطية ضمن اسعار معقولة ترضي جميع الاطراف. ولعل اجتماع المنظمة الاستثنائي ال 131 في بيروت الخميس الماضي كان واحدا من هذه الجهود الذي بحثت خلاله إعادة النظر في السياسة الانتاجية والمؤثرات السيكولوجية والسياسية التي أثرت على الاسواق النفطية وأدت بالأسعار الى تجاوز السقوف المحددة لها. وجاء قرار المنظمة ليقضي بزيادة كمية الانتاج من النفط بمعدل مليوني برميل يوميا كمرحلة أولى يبدأ في مطلع يوليو ثم 500 الف برميل مطلع اغسطس المقبل، جاء ذلك في ظل تصاعد الكثير من الأصوات في الدول المستهلكة الداعية الى ضرورة رفع سقف الانتاج بهدف ضبط انفلات الاسعار من عقالها، قابلها في ذلك تأييد من قبل وزراء المنظمة من خلال اشاراتهم الواضحة تجاه تطبيق هذا التوجه بشكل رسمي، والاعلان بشكل مسبق نية المنظمة رفع سقف الانتاج حوالي 2.5 مليون برميل، ليصل حجم الانتاج اليومي الى حوالي 26 مليون برميل بدلا من 23.5 مليون. وتدرك أوبك وبشكل واضح ان حالة الغليان السعري التي تعيشها أسواق النفط العالمية لا ترتبط بشكل مباشر بسياستها الانتاجية، وتدرك أيضا أنها كمنظمة تمثل الدول المنتجة لا علاقة لها في التأثير على مستويات الاسعار، في الوقت الذي تعلم فيه تمام العلم وحسب وزرائها بأن مستوى العرض والطلب في السوق العالمي متوازن، خصوصا في الفترة الراهنة وأن أي زيادة في المعروض ستشكل حالة من الفائض في العرض وستؤدي في النتيجة الى حالة من الانهيار في الاسواق، وهذا ما أكد عليه وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي في كلمته التي القاها في بيت الاممالمتحدة في بيروت حول السياسة البترولية السعودية وابعادها المحلية والاقليمية والعالمية أن الاسعار تحددها السوق وتتأثر بعوامل عدة أغلبها خارج نطاق الأوبك، موضحاً أن أوبك مستعدة اذا لزم الأمر لزيادة الانتاج في وقت لاحق عن مستوى 26 مليون برميل يوميا الذي سيصل إليه سقف إنتاج المنظمة. وأكد النعيمي على أن المملكة أبدت استعدادها وأعلنت عن دعمها لرفع سقف منظمة الاوبك من 23.5 مليون برميل الى 26 مليون برميل يوميا. غير أنه أشار الى ان الزيادة الانتاجية قد يكون لها تأثير قصير الاجل على الاسعار لكنها لن تحل مشكلة ارتفاع اسعار النفط في الاسواق العالمية التي أكد ان المنتجين ليسوا مسؤولين عنها وان السبب الرئيسي وراءها هو المضاربة. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه في ظل قرار زيادة الإنتاج هل سيسهم ذلك في تهدئة الاسعار وعودتها الى طبيعتها؟ وهل سيسهم في اجلاء التخوف من نفوس المضاربين وتجار النفط في أسواق العالم الناجم (عن عدم الاستقرار الأمني)، وهل سيؤدي قرار المنظمة رفع سقف الانتاج بواقع مليونين أو 2.5 مليون برميل يوميا الى استقرار الاسواق بشكل عملي، مع العلم - والكل يدرك - بأن المنظمة كانت تعمل فعليا على تجاوز سقفها المحدد دون قرار، وهي بقرار بيروت لم تأت بجديد بالنسبة لكمية الانتاج الا أنها أضفت الشرعية على تجاوزاتها الانتاجية. أما السؤال الأهم فهو: ما مصير الأسعار بعد قرار المنظمة؟ سؤال يبقى مطروحا لتجيب عنه ردود فعل الأسواق النفطية، وسيبقى هذا السؤال محط متابعة للتأكد فقط من أن السياسة الإنتاجية هي السبب في تصاعد الأسعار، أم أن حالة الهلع التي تعيشها الاسواق جراء ردود فعل وهمية غير مرتبطة بالتزام دول المنظمة بالامدادات واستقرار الاسواق هي التي كانت وراء عدم الاستقرار. أرادت أوبك بقرارها ان تثبت للعالم وبرسالة قوية إلى السوق انها قادرة على زيادة الانتاج، الا انها لن تتمكن من السيطرة على عامل الخوف والمضاربين والمخاوف السياسية.