تشهد آلية العمل الإعلامي العربي تغييرات جذرية عميقة سواء في وسائل إعلامه الرسمية التقليدية أو الخاصة أو الفضائية أو الالكترونية أو بما يسمي في العرف الإعلامي الجديد صحافة المواطن. المستحث أو الدافع الأكبر لبروز هذه التغييرات هو انبلاج هلال ربيع الثورات العربية وتتابعها في دول شرق أوسطية عدة بحيث دخلت وسائل الإعلام العربية وخاصة الرسمية منها، على حين غرة، في حالة إرباك شديدة تفوق قدرتها على تغطية وتحليل تلك الأحداث السياسية الكبرى كسقوط الدول وتغيير الأنظمة والمطالبة بالديمقراطية والحرية بمهنية وحيادية مقنعة تحترم عقلية وفهم المشاهد والمتابع المحلي أولاً والعربي والأجنبي على وجه العموم. ومن التغييرات الملاحظة في آلية عمل الإعلام العربي هو تتالي استقالات مقدمي البرامج الإخبارية والسياسية من القنوات الفضائية التي يعملون فيها عندما لا تتطابق توجهات تلك القنوات الفضائية الخاصة وسياساتها الإعلامية لوجهة نظرهم أو بالأحرى عندما يقعون في مأزق أو ضغط استحقاقات موطنهم الأصلي حتى لو كانت غير منطقية ! كالذي حدث في قناة «الجزيرة» و «العربية» مؤخراً. آخر تلك الاستقالات قدمتها السورية زينة اليازجي مقدمة الأخبار بقناة «العربية» حيث أشارت في تعليق لها حول استقالتها «أن الظرف الذي يتعرض له بلدي سوريا حتم علي عدم الاستمرار أو التفرغ» بالطبع تُحترم رغبة زينة في مواصلة العمل لدى العربية من عدمه ولكن يفهم جلياً من سياق تعليقاتها الأخرى على خبر استقالتها أن دافع الاستقالة ليس نابعا من رغبة أو قناعة تامة منها وإنما أتى نتيجة تعرضها لضغوط مستمرة من موطنها الأم، لربما من قبل الأجهزة الأمنية أو المخابرات العامة على الرغم من أن تلك الفرضيات تبقى قابلة للنفي أو الإثبات لصعوبة التحقق منها. ولكن مما يزيد في مصداقية صحة تلك الفرضيات هو النغمة الايجابية التي عبرت عنها زينة تجاه فترة عملها في قناة العربية بقولها «أغادر القناة وكلي محبة للذين عملت معهم». فإذا كانت تحبهم لماذا تغادرهم؟! وفي هذا الوقت بالذات. على النقيض من ذلك نجد أن مدير قناة «الجزيرة» في بيروت سابقاً غسان بن جدو يبرر استقالته من «الجزيرة» على خلفية اهتزاز مهنية وموضوعية القناة فيما تقوم به من تغطيات وتحليلات إخبارية لبعض الأحداث السياسية التي تشهدها المنطقة العربية حسب قوله، على الرغم من أن تلك الموضوعية والحيادية لم تكن جلية ناصعة لديه عندما كان يتناول الشأن الإيراني وحزب الله في لبنان! عموماً تبقى قناعات وتوجهات وآراء الجميع محترمة ومقدرة كلما اقتربت من المعايير المهنية والحيادية الأساسية واستيعاب الآخر وأخيراً احترام عقلية المشاهد، ولكن عندما تفرض تلك القناعات بالقوة فهي تنتقل من خانة المهنية إلى الشخصنة ! عموماً حالات الاستقالات الإعلامية الذاتية أو المفروضة أتت من رحم الثورات العربية وهي جديدة على المشهد العربي الجديد لذا يتطلب تناولها بشكل موسع في المؤتمرات والمنتديات الإعلامية العربية القادمة بما يخدم عمل الإعلاميين العرب ويحفظ حقوقهم ويوفر لهم بيئة العمل الصحيحة والآمنة حتى لو كانت خارج أوطانهم!! لذا نتمنى على منتدى الإعلام العربي القادم الذي سيقعد في دبي يومي 17-18 مايو الحالي تخصيص جلسة نقاشية مفتوحة لهذا الموضوع حتى لو كان الوقت متأخراً لترتيب ذلك. [email protected]