العلاقة بين النقد والسرد, يكتفنها الكثير من الغموض, والكثير الكثير من التوتر, فهي علاقة جدلية لم تستقم لها شروط التواصل الفعلي, ولم تتضح فيها ملامح المقاربة العادلة, ومع ان التجربة السردية في المملكة اتسمت بالنضوج والفاعلية خلال السنوات الاخيرة, الا ان النقد لا يزال غائبا عنها, وان اقترب في بعض الاحيان منها, على استحياء وعبر قراءات يمكن توصيفها على انها مجرد متابعات صحفية, فالى اي الاسباب يعود ذلك الغموض والتوتر والجدل؟ هل الى غياب المتخصصين في هذا المجال؟ او لان الاعمال السردية اصبحت مناطق شائكة؟ ام لان الناقد المحلي لم يعد مشغولا الا بزاوية صحفية هنا او هناك؟ (اليوم الثقافي) يفتح هذا الملف انطلاقا من هذا الموضوع. الثقافة النقدية الناقد الدكتور حسين المناصرة يرى ان هذه الفجوة تعود الى سببين ويقول: السبب الاول يتمثل في ان الثقافة النقدية في مجال السرد تكاد تكون محدودة جدا?, قياسا على ما قد يكون لدى النقاد من نقد مدرسي في الشعر, وان المدرسة النقدية السردية تحتاج الى ان يتعب الناقد نفسه بالقراءة في فضاء النقد السردي, فبعض الذين ينقدون الرواية الان, تجدهم ينقدون الرواية انطلاقا من مصطلحات الشعر, حيث البلاغة, والجملة, والعبارة, وهذا دليل واضح على ان الناقد العربي بشكل عام, او الكثير منهم لم يهضموا بعد ما يمكن ان نسميه (النظرية النقدية السردية) التي تختلف بشكل واضح, ومنفصل الى درجة كبيرة عن (النقد الشعري). قراءة الشعر اما عن السبب الثاني, فيقول د. المناصرة: السبب الثاني يعود الى ان الرواية تحتاج الى وقت حتى تقرأ, فقد تستغرق قراءة لرواية واحد شهرا, لذلك يستسهل النقاد قراءة الشعر, لان بامكانه ان يقرأ قصيدة واحدة من ديوان شعر ثم يكتب عنها قراءة او دراسة نقدية, لكنه اذا اراد ان يكتب عن رواية فان ذلك يحتاج منه الى وقت طويل, من هنا يحدث ما يمكن ان نسميه (الفجوة) صحيح ان هناك قراءات حول السرد, او الرواية تنشر من وقت لاخر, لكنها قراءات صحفية تأتي- غالبا - في شكل تغطيات, اما الدراسات البنيوية العميقة في السرد, فهذه في الادب العربي بشكل عام تكاد معدومة. وبسؤال (اليوم الثقافي) حول امكانية اسقاط هذا القول على تجربة السرد السعودي يقول د. المناصرة: بكل تأكيد توجد في المملكة تجربة سردية مميزة, بدأت منذ التسعينيات حتى الان, وهذه الفترة تمثل النشأة الحقيقية لتطور مجال السرد في الادب السعودي, لكن للاسف حتى وقتنا هذا لا توجد دراسات نقدية تستطيع ان تدخل في هذا الكم السردي وتصدر عنه مجموعة من الكتب النقدية المميزة, كما حدث مثلا في بدايات النهضة في دول عربية مثل مصر او الشام, ومن هنا يتبين ان ما تحتاجه التجربة السردية في المملكة هو العمل النقدي الجاد في هذا الجانب, لكن للاسف الناقد المحلي في المملكة ناقد كسول لاسباب متعددة منها انه يرتعب من الرواية لان الرواية في جرأتها الان تمثل نصا مرعبا للنقاد فالجرأة الموجودة في الرواية تحتاج لناقد جرئ يقدمها, فالرواية تلامس الواقع, او انها تتحدث عن واقع متخيل يمكن ان يحدث في الواقع الفعلي, لذلك فهي تحتاج الى قراءة تتفاعل معها من هذا المنطلق الناقد يمكن ان يكون تجريديا في كتابته عن قصيدة شعرية لكنه لا يمكن ان يقف في هذا السياق التجريدي عند وقوفه مع الرواية لان الرواية تضغط انف الناقد رغما عنه ليكشف عن واقعها, او يتناول اشكالياتها الواقعية وهذه ربما تكون من المشكلات التي تجعل النقاد يعزفون عن تناول السرديات. وبسؤال عن الاسماء التي يراها تمثيلا نشطا لتجربة السرد في المملكة يقول د. المناصرة هناك اسماء كثيرة شكلت في مجملها هذه التجربة السردية اتذكر منها: عبده خال, عبدالحفيظ الشمري, احمد الرويحي, ليلى الجهني, نورة الغامدي, رجاء عالم, وهناك اسماء اخرى تنتمي لاجيال سابقة لكنها ايضا ساهمت في تشكيل ملامح التجربة السردية, مثل تركي الحمد, غازي القصيبي وآخرين. بين الغث والسمين من جانب آخر يرى الناقد الدكتور سلطان القحطاني ان سبب هذه الفجوة يعود الى ندرة المتخصصين في نقد السرد وايضا الى وجود كم كبير من الاعمال فيه الصالح والطالح, ويقول د. القحطاني: اسباب هذه الفجوة متعددة ومنها اولا كثرة الانتاج السردي بما فيه من الغث والسمين والمتوسط والجيد وهذا امر عادي وطبيعي من وجهة نظري السبب الاخر هو ان النقاد المتخصصين في هذا المجال عددهم قليل جدا, اذا استثنينا المشاهدين والعارضين وكتاب النقد الصحفي لاننا اذا ناقشنا الموضوع من الوجهة الاكاديمية المتخصصة في هذا الجانب سنجد ان العدد محدود وهو ما اضعف العلاقة النقدية بين النقد والاعمال السردية, لذلك خرج الكثير من الانتاج السردي الى فضاء القراءة ومرت عليه فترات طويلة بدون ان ينقد او يدرس لندرة النقاد المتخصصين من جانب ولعدم القدرة على قراءته او دراسته بشكل علمي يمكن الرجوع اليها على انها دراسات مرجعية علمية. وحول المسألة الكمية وغزارة الانتاج السردي الذي شهده الادب السعودي في السنوات الاخيرة يقول د. سلطان القحطاني: في تصوري ان وعي القارئ الان يوازي وعي الكاتب نفسه وبالتالي اصبح القارئ منتجا بصورة ما داخل سياق العمل السردي لذلك انا ضد فكرة ان يستعجل الكاتب في اصدار عمل سردي او روائي لم يكتمل من حيث النضوج او الفكرة الجديدة فهذا قد يضيف الى موضوع الكم والى غزارة الانتاج لكنه لا يضيف من حيث القيمة الفنية والابداعية للتجربة السردية وقد نلاحظ في السنوات الاخيرة صدور اعمال كثيرة غير ناضجة من هذا المفهوم. ويضيف د. القحطاني فيقول: اعتقد ان الكليات المعنية بالآداب لدينا عليها دور كبير في تقليص مساحة الفجوة بين النقد والسرد فمن خلالها يمكن توجيه الطاقات الشابة من الدارسين للاعتناء بهذا الجانب ودراسته والتخصص فيه, حتى يخرج جيل نقدي جديد قادر على تجاوز المفاهيم النقدية الانطباعية الى الدراسات العلمية البعيدة عن المجاملة والآراء الشخصية واعتقد انه اذا لم يتم تدريب الجيل الجديد من الدارسين الشباب على استقراء هذا الفن السردي ستظل الفجوة موجودة وربما قد تزيد عما هي عليه الان. وبسؤال (اليوم الثقافي) عن انشغال معظم النقاد المحليين بالزوايا الصحفية عن الدراسات المعمقة يقول د. القحطاني: اتصور ان هذه الزوايا لا يمكن ان تجدي ان لم تكن زوايا متخصصة يقوم عليها متخصصون بمعنى ان يكرس الناقد المتخصص في نقد السرد زاويته الصحفية لنقد السرد وهكذا.. بحيث تكون الزاوية نفسها متخصصة بما يعكس تخصص كاتبها ومن هنا يمكن ان تكون استمرارية الزاوية الصحفية هي استمرار لمشروع نقدي متواصل وممتد لكن ما يحدث لدينا غالبا ان كتاب الزوايا تلك مرة يكتبون عن الشعر ومرة عن الرواية ومرارا عن اشياء اخرى مثل مشاهداته الشخصية واسفاره وعلاقاته بالآخرين وهذا ما جعل الزوايا لدينا فاقدة للتخصص المفيد للادب واعتقد ان الوصول الى هذا الوعي بقيمة الزواية الصحفية المتخصصة يحتاج لبعض الوقت اما الموجود الان في معظمه لا يعدو كونه ملء فراغ لمساحة اسبوعية في هذه الصحيفة او تلك. د. سلطان القحطاني