معالي وزير العمل الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي المحترم قرأت تصريح معاليكم في الصحف المحلية ولا أدري هل أهنئكم بتولي وزارة العمل أم أعزيكم؟ فالتهنئة واجبة لمن كان مقبلا على ما يستبشر به الشخص بإذن الله، لكن تم اختياركم لوزارة ينوء بحمل همومها أشد الناس قوة وعزيمة لأنها ذات تأثير مباشر على ملايين المواطنين في قوتهم ومعيشتهم. فلذا كان الله في عونك وأسأله سبحانه أن يأخذ بيدك إلى ما يحبه ويرضيه عنا جميعا. بعد التمعن في ذلك التصريح خلصت الى أننا مقبلون على رجة عنيفة أخرى تضاف الى زلزال القرار (رقم 50) وتملكني رهبة من (... هذا التحدي يحتاج إلى قرارات حازمة وحاسمة وقد تكون أليمة...) فما هي تلك القرارات؟ ومتى ستطبق؟ وهل أستشير بها رجال الأعمال الصادقي التوجه والنصح (وليس المجاملون منهم)؟ وهل درست ردود الأفعال المتوقع منها على القطاعات المختلفة وتداخلها مع الأنظمة الحكومية والشرع مثل: نظام المشتروات الحكومية، القضاء، تنفيذ الأحكام القضائية، نظام العمل المعتق، وغيرها؟ لابد من تعقيب سريع لتصريحكم يوضح هذه الأمور ولا يترك المستثمرين السعوديين والأجانب فريسة للشائعات والتفسيرات الشخصية التي قد تزيد الأمور تعقيدا وسوءا. أرجو أن تسمح لي بعرض هذه الملاحظات تباعا حسب ورودها في التصريح المذكور. انقاص سقف العمالة الوافدة والمتاجرة بالتأشيرات: ما هي نسبة الوافدين الآن؟ وهل تحتوي على خدم المنازل وسائقي العائلات؟ ذكر أن عدد الوافدين في المملكة هو ستة ملايين. فإذا استثنينا منهم خدم المنازل والسائقين الخاصين وهم تقريبا 1.200.000 وافد بواقع خادمة وسائق لنصف عدد العوائل كمعدل في المملكة حسب آخر احصاء (2.4 مليون عائلة). ثم الوافدون في المجالات الفنية الطبية والتمريض في المستشفيات الحكومية والخاصة والعسكرية وهم تقريبا 300.000 وافد. بعد ذلك التخصصات التقنية المتقدمة والحاسب الآلي ووظائف المحاسبة والمالية في جميع القطاعات وقد يصلون الى 100.000 وافد. أما العاملون في قطاعات النقل البري والمقاولات بأنواعها فالمتوقع أنهم لا يقلون عن 3.000.000 وافد لا تستغني عنهم تلك القطاعات لأن ظروف العمل غير مستقرة، مناطق العمل نائية، والانتقال المستمر من موقع لآخر لا تجد الإقبال من المواطنين على الالتحاق بها. المجموع الذي وصلت اليه هو 4.600.000 وافد فقط، إذا فالفرق بين ما تحتاجه البلاد وما يستقدم هو فقط 1.400.000 وافد قد لا تحتاجهم البلد ويدخلون فعلا عن طريق سماسرة التأشيرات. لاشك ان لدى وزارة العمل أرقاما أكثر دقة مما ذكرت هنا لكن المراد هو بيان أن نسبة الوافدين الحالية هي 30% تقريبا من عدد سكان المملكة وهي نسبة منخفضة جدا اذا ما قورنت بدول مجاورة شحيحة السكان أصلا. فإلى أي مدى يمكننا تخفيض هذا السقف (المنخفض أصلا) دون التأثير سلبيا على القطاع الخاص الذي تعلق عليه الدولة آمالا عريضة في قيادة اقتصادها؟ أضف الى ذلك ان عدد السكان في المملكة يزيد بنسبة 4 5% سنويا مما يجعل هذه النسبة تتضاءل وسنرى الى أي مدى انخفضت في التعداد هذا العام. فإن وصل عدد السكان الى 25 مليونا فإن 30% منه ستصبح 7.5 مليون وافد أي اكثر من الوافدين حاليا. ولابد من السماح بها حتى يتمكن القطاع الخاص من الاستفادة من فرص العمل المتاحة محليا بدلا من شد الرحال لدول مجاورة أو قريبة طلبا للرزق وهربا من التضييق عليهم بطلبات غير واقعية. تهيئة الظروف المناسبة للشباب السعودي: هذا أمر مهم ورئيس في جذب والاحتفاظ بالمواطنين في وظائف القطاع الخاص. لكن هذه المتطلبات تحتاج الى استثمار وتكلفة اضافية في التدريب وايجاد مساكن للسعوديين منفصلة عن الأجانب ومطابخ وحتى المواصلات. فهل تعطي الأنظمة الحكومية الافضلية للقطاع الخاص المتمسك بسعودة الوظائف مقارنة بغيرهم ممن لم يلتزموا بها؟ وهل نظام المشتروات الحكومية ينص صراحة على نسبة التفضيل المعطاة لهؤلاء علىغيرهم حتى يتمكنوا من منافستهم؟ الاجابة السريعة هي قطعا لا. حاجة الوزارة للتشريعات ونظام العمل الذي طال انتظاره بهذه صدقت فلسنا بحاجة لتشريعات اضافية ولكن لابد من اعادة صياغة نظام العمل برمته لكي يجاري ظروفنا الحالية. لقد انتهى زمن دلال العامل سواء مواطن أو أجنبي وانتهت الاشتراكية والشيوعية الىغير رجعة فلا مجال لتقييد أي قطاع بكيفية التعاقد طالما انهما متفقين فالعقد شريعة المتعاقدين ولا بأس من أن يتضمن النظام الأمور الأساسية فقط ولا يتطرق الى تفاصيل تثير الخلاف أكثر مما تحله. ولابد من اعطاء صاحب العمل الحرية في (التوظيف والفصل) حسب متطلبات العمل بدلا من عقود التوظيف الحالية القريبة جدا من عقود الزواج الكاثوليكية (غير قابلة للنقض) كما وصفها أحد رجال الأعمال مؤخرا. وأن يقتصر دور مكاتب العمل على التوفيق بين الطرفين في الفرص الوظيفية أو حل النزاعات العمالية البسيطة. أما مسألة التطبيق الحازم الشديد للتشريعات فهذا ما يرحب به كل رجل أعمال نزيه ومنتظم في دفع التزاماته تجاه دائنيه وموظفيه ولكن بشرط أن يتم التطبيق على الجميع دون استثناء. عندئذ فقط سيصفى في القطاع الخاص النزيهون الملتزمون بالنظام وسترى أن سياسات الدولة العليا تبدأ تنفذ وتؤتي ثمارها بإذن الله. لا مساعدة للمتهاونين.. وأخلاقيات المهنة وثقافة العمل: نبارك ونشجع هذه السياسة ونتمنى أن تجد طريقها للتبني والتنفيذ على مستوى مكاتب العمل في المناطق البعيدة عن مركز القرار في الرياض، مثل الدمام والجبيل وجدة وينبع وأبها وتبوك. كثيرا ما نواحه مشاكل تتعلق بتفسيرات غريبة وغامضة للتعليمات الصادرة من الوزارة لمكاتب المناطق فنصبح تحت رحمة المسؤولين بها ورغبته في مساعدة رجال الأعمال و عدمها. وقد رأينا ماحدث لدينا في الدمام قبل شهرين تقريبا عندما أوقف مكتب العمل هناك منح التأشيرات فجأة وبدون اي تنبيه بناء على تفسير غريب لتعليمات أتت من الرياض! هل هناك آليات للتظلم أو الشكوى أو حتى الاطراء بشكل مباشر الى مكتبكم مباشرة بالفاكس أو البريد الالكتروني بحيث لا يطلع عليها إلا معاليكم تفاديا للضرر على المتقدم بها ان كانت شكوى؟ ترهل القطاع العام الوظيفي والمسؤوية الملقاة على القطاع الخاص لتوظيف المواطنين: هذان الشقان متلازمان كالتوائم فبسبب الترهل الوظيفي الحكومي أصبح اتخاذ القرار الصائب ومن ثم تنفيذه صعب للغاية. لا يخفى على معاليكم ان زيادة عدد الموظفين في أي منظومة عمل حكومية كانت أو تجارية ينتج عنه: تباطوء الأداء بسب مقاومة التكتلات الداخلية في تلك المنظومة كل ما من شأنه تسهيل وزيادة انسيابية العمل خوفا من انكشاف العناصر التي لا تساهم بالعمل ولكن تعثره. من هذه الزاوية يجب علينا البدء بإعادة تشكيل الجهاز الحكومي ليصبح أكثر مرونة وتجاوبا من متطلبات هذا العصر السريع الإيقاع قبل أن نلتفت الى القطاع الخاص ونلقي عليه مهمة احلال وايجاد الوظائف للمواطنين. وما اعتماد أربع سنوات للوظائف العليا (قابلة للتجديد أربعا أخرى فقط) إلا خطوة جبارة في هذا الاتجاه بالرغم من عدم تعميمها على جميع المناصب الحكومية. أما هروب رأس المال السعودي من الوطن فأعتقد أنه لا مناص منها طالما لم يتوفر هنا الاستقرار الاقتصادي والتشريعي والتنظيمي والتنفيذي لكل المستثمرين سعوديين أو أجانب. ولن أسميه هروبا وإنما تشغيل لتلك الأموال ريثما تحدد حكومتنا الرشيدة توجهاتها الاقتصادية بشكل واضح وجاد وثابت.