حين اختار يحيى الفخراني والمخرج أحمد عبد الحليم وأعضاء فرقتهم تقديم مسرحية الملك لير لشكسبير كان لديهم العلم أن هذه المسرحية تتضمن مخزونا ثقافيا وانسانيا هائلا.. فوليم شكسبير كاتب مسرحية يعتبر رمزاً لحضارة ثقافية كبيرة ينهل العالم كله من حصاد إبداعاته.. ولعل الجميع يعرف أن أغلب المسارح القومية والأهلية العربية في بدايتها كانت تتعكز على نصوصه ومسرحياته، ذات الطابع الخلاق تعكس بحس المخرج أحمد عبد الحليم على الحركة المسرحية ديناميكية لها مذاق خاص، وذلك لأن معظم أعماله تركز على ثثيمات ترتبط بالإنسان مما جعله مشاعاً ومتواجداً خالداً مدى الزمان والمكان. وعن مسرحية (لي)ر يقول عبد الحليم: إنها إحدى روائعه التي تتعامل مع تيمة إنسانية وهي عقوق الأبناء تجاه الوالدين فضلاً عن ملامستها لجوانب سياسية عميقة يعطي بها شكسبير درساً فنياً وثقافياً للإنسان حتى يستدرك من هذا المثل الفني العظة والعبرة كما أن تلك المسرحية هي إحدى التحديات الفنية التي يتمنى كل فنان أن يجسدها من خلال الإخراج والتمثيل. لقد عرضت المسرحية بشكل يومي طوال أيام مهرجان الإمارات الثقافي الذي عقد مؤخراً بدبي، وقد لاقت إقبالاً جماهيرياً كون اسم المسرحية يحظى بسمعة تتعدى الآفاق، وبالإضافة إلى ذلك فقد كان لأداء يحيى الفخراني وفرقته وقع كبير لما يتمتعون به من قدرة فائقة على الإبهار والإقناع. وتميز العرض بالبساطة والتلقائية وابتعد كلياً عن التكلف، فكانت الأدوار منسجمة مع بعضها البعض ولم يكن هناك أي تناقض، مما يوحي بنجاح العرض وقدرته على توصيل الأفكار بشكل سلس، كما تميز أيضاً بالتوازن في المشاهد، فلم يكن هناك تواجد أو طغيان لمشهد على حساب آخر، وإنما كانت كلها تحظى بقدرة على التواجد بشكل متوائم. وكان للإضاءة دور كبير أيضاً فقد كانت في مستوى الحدث، وكانت تبرز الشخصيات بشكل ملفت للنظر، وكان الإعتام والإبهار بشكل متوازن أيضاً مما أدى لإعطاء وظيفة الإضاءة دورها الطبيعي، حيث يعتقد الكثير من المهتمين بالمسرح أن الإضاءة تشكل جزءاً مهما في العملية المسرحية بشكل عام، وكثير من المسرحيات فشلت لأن الإضاءة لم تكن بالمستوى المطلوب، فإما أن تكون باهتة أو عشوائية. أما المكياج والملابس فقد قامت بدور كبير في إضفاء جو تاريخي مهيمن بحيث يعيش المتلقي مع الشخصية بجميع أبعادها، حيث أهمية أن تكون الملابس والديكورات من العصر الذي يرتبط بحدث المسرحية، فقد كان يحيى الفخراني على سبيل المثال متميزاً وقادراً على الأداء ومتقمصاً لشخصية الملك لير بكل أبعادها.. انفعالاته.. ابتسامته.. غضبه... طريقة لبسه للتاج... كل ذلك يوحي بوجود عصر يختلف عن عصر المكان الذي هو فيه.. أشرف عبد الغفور أيضاً رغم عدم بروزه في المسرح وتميزه في الدراما والسينما إلا أنه كان متقمصاً لشخصية اللوردات وكان مكياجه قد أبان عن مقدرة كبيرة على وضع اللمسات الفنية. وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لبقية الممثلين والممثلات سيما نرمين كمال التي تقمصت شخصية جوتريل وريهام عبد الغفور التي أدت دور كورديليا. كما لا يمكن إغفال أهمية الاستعراضات والموسيقى والتي شكلت سيمفونية أعطت نوعاً من التكامل على العرض المسرحي، فكانت بمثابة النقاط التي لا بد منها على حروف أجزاء ومشاهد المسرحية، وأعطت في بعض الأحيان تمهيداً لما هو قادم.. وتعضيداً لبعض المواقف الدرامية الضرورية، فلا يمكن أن تستقيم بعض المشاهد الدراماتيكية دون موسيقى، ولا يمكن لاستعراض أن ينجح دون أن ترافقه أوركسترا.. كان فريق عمل متناغم نهض بالمسرحية، وأعطاها حيزاً كبيراً من الفكر والثقافة والمتعة. هل درت حول المسرحية دون أن أدخل في تفاصيلها.. ذلك ما حاولت أن اتحاشاه، لأني أجزم أنك - عزيزي القارئ - إما أنك قرأتها أو شاهدتها من قبل في مسلسل أو فيلم أو رواية.. أو ربما تفكر في ذلك، فهل أحرمك من هذه المتعة؟؟ يحيى الفخراني تميز بالمصداقية ريهام عبدالغفور