تلاقح الفكر وتبادل الرؤى من خلال النقد هو لا شك من انجع الاسباب المؤدية الى التطور الذي تنشده المجتمعات لصالح خططها التنموية والأجمل من ذلك هو الاستعانة بالخبرات المتراكمة من دول العالم لاستشاراتها حول الموضوعات المجتمعية وغيرها من اهتمامات المجتمع ولكن عندما تدعو الحاجة الفعلية لذلك. ولقد مرت بالعالم العربي فترات عصيبة في استقطاب الخبراء اذ تشير بعض الاحصاءات الى أن جزءا كبيرا من ميزانيات دول العالم الثالث كان يذهب الى جيوب هؤلاء الخبراء ولا بأس ولكن بمقارنة هذا الصرف بالآثار التي يتركها هؤلاء نجد ان النتيجة تميل لصالح جيوب الخبراء، وادرك تماما ان الخبراء من الذين يتم استقطابهم للوطن العربي اما على شكل مؤسسات او هيئات او افراد كانت تصرف لهم مبالغ طائلة اما لاعداد استراتيجيات وخطط او القيام بمهمة محدودة لصالح جهة ما او الاستعانة بهم لمجرد وجودهم. وفي اغلب الاحيان يقوم هؤلاء الخبراء باعداد الاستراتيجيات والخطط بناء على خبراتهم المتراكمة عن البيئة المستهدفة والقائمة اساسا على قراءات دون الأخذ في الاعتبار المتغيرات التي تطرأ على المجتمعات وتركيباتها في حين نجد ان الخبير او فريق الخبراء من الجهلة بالبيئة المحيطة فتقوم هذه الجهة او تلك بتجييش كوادرها فقط لاعطاء هذا الخبير او ذاك خصائص المجتمع الذي سيعمل فيه. لذلك نرى ان اغلب الاستراتيجيات والخطط لا تحرك ساكنا لسبب بسيط جدا ألا وهو كونها قائمة على المثالية وبعيدة عن الواقع اذ ان اهدافها مستمدة من ادبيات نظرية وفلسفية ومع نقص خبرة الخبراء لبيئة العمل المحلية في مجتمع ما فكان الاعتماد كليا على التنظير الذي هو في اغلب الاحيان يصعب تطبيقه على ارض الواقع، لذا تنتهي هذه الاستراتيجيات والخطط على الأرفف. لا شك في ان الاستعانة بالخبراء تحرك ايجابي ولكن احسب أن تكون في قضايا محددة وموضوعات استراتيجية ترتبط بسياسات تطبيقها على ارض الواقع لاختبارها او الاستعانة بتجارب سابقة فليس من المعقول ان يجلب هذا الخبير او ذاك لمجرد ان لدينا قضية ما نرغب في تطويرها وكأن الأمور لا تتطور إلا من خلال الخبراء. قد تكون هذه الفرضية سليمة ولكن قبل ثورة تقنية المعلومات وظهور الانترنت فقبل ذلك كانت المعلومة حكرا على دول او فئات معينة حتى الحصول عليها كان صعب المنال لذلك كانت حاجة الاستعانة بالخبراء حتمية لعمليات التنمية وان كانت في حينه بطرق غير مدروسة وعشوائية وحسبي أن فوائدها تكاد تكون محدودة. اما الآن ومع ثورة تقنية المعلومات التي يشهدها العالم ومع التدفق الحر من الفكر والافراد بين كافة اقطار العالم ومع ازالة الحدود الفكرية بينها أليست هناك حاجة ماسة لمراجعة سياسات الاستعانة بالخبير بل هل يستطيع الخبير ان يأتي بجديد غير المتاح بالانترنت او غيرها من مصادر المعلومات في العصر الذي اصبحت فيه متاحة ولم تعد المعلومة او التجربة حكرا على احد بل وليست ملكا لأحد اذ في خضم ذلك هل نحن بحاجة الى استقطاب الخبراء الا للقضايا التي نحن بحاحة الى خبرة ممارساتية وعملية فيها؟ في الاسبوع المنصرم وجهت لي دعوة كريمة من احد الأخوان من ذوي المساهمات المجتمعية لحضور محاضرة لأحد الخبراء من امريكا ليلقي محاضرة عن نظريات ادارية محددة في دولة مجاورة علمت بأن اجره لهذه المحاضرة خمسة وستون الف دولار فقط اجرة يوم واحد نهارا. وبالرغم من ان المتحدث نال نصيبه من الشهرة وسمعت عنه في محافل متعددة الا انني كنت على قناعة تامة بأنه لن يأتي بجديد غير ما هو متاح من مصادر المعلومات التي ذكرتها, ولكن من باب الفضول الثقافي حزمت وذهبت وحضرت وكانت المفاجأة كلاما مكررا ليس في الانترنت فحسب بل حتى في المصادر الورقية المتاحة للجميع.. الحضور منبهر والتكريم حكومي على مستوى عال والحملة الاعلامية تضاهي الحملات الرئاسية والضيافة العربية التي نبالغ فيها احيانا لدرجة الانبهار.. كل هذا لمحاضرة تجد الآلاف منها على مواقع الانترنت. هذا النوع من الخبراء هو الذي لا نريده بل ولا نستفيد منه لاستنزاف الجيوب بل وسمنا بالاستغفال في ظل شهادات من جاورني من الآخرين. كل متابع لهذا الهم يدرك تمام الادراك ان مسألة الاستعانة بالخبراء لم يجن منها إلا زيادة في هدر الامول وهدر الوقت وهذا لا يعني أنها مسألة سلبية.. ابدا ولكن ينبغي ان تكون بشكل مقنن ومدروس وفي الجزئيات التي بالفعل لا يستطيع المجتمع المحلي القيام بها ولكن لا نكون ملاذا للخبير لكل شاردة وواردة واصدقوني القول ان كنت مخطئا ففي بعض دولنا الخليجية يمكث الخبراء بعقود سنوية تمدد حتى تصل في بعض الاحيان لأكثر من خمس سنوات.. هل هناك دولة في العالم تستغني عن خبير بعقد سنوي.. نحن نعلم أن الخبير كما تعني الكلمة ثروة لا يمكن لأي دولة الاستغناء عنها إلا لفترات قصيرة جدا ليعود الى بلاده ولكن يمكث خارج البلاد لسنوات فأي خبير هذا الذي تفرط فيه دولته بهذا الشكل. على اية حال ان من يقرأ هذه المقالة يعتقد جازما أن كاتبها يتخذ موقف الضد من الاستعانة بالخبراء والخبرات من انحاء العالم بل ويرى عدم جدوى التبادل الفكري الحواري بين الأمم في الوقت الذي يسعى فيه العالم لفتح آفاق اوسع للحوار.. والاجابة قطعا بالنفي التام. فالكاتب ليس ضد الاستعانة بالخبراء او شركاتهم او مؤسساتهم ولكن ضد الاستعانة من اجل الاستعانة فقط دون رصد هدف محدد. فمن الاهمية الاستعانة بالخبراء ولكن في المجالات التي نعتقد أن الخبرات المحلية لا تستطيع القيام بها كما ينبغي تحديد الاهداف المرجوة من استقدام الخبير ورصد مؤشرات نجاحها وتقييم التجربة للمستقبل اضافة الى توظيف تقنية المعلومات لصالح المستهدف ودراسة مدى امكانية تحقيقه دون الاستعانة بالخبراء والاستعانة بالخبراء المحليين. وللاجابة عن سؤال عنوان هذه المقالة فالاجابة نعم نحن بحاجة الى خبراء ولكن عندما ندرك بالفعل ان هناك حاجة لذلك.